خلق اصغر كائن حي لابد انه هو خالق الكون كله.
فهذه الحياة بجامعيتها هذه تُظهر في نفسها أخفى اسرار الاحدية وأدقّها. أي: كما ان الشمس العظيمة توجد بضيائها وألوانها السبعة وانعكاساتها في ما يقابلها من قطرة ماء أو قطعة زجاج، كذلك الامر في كل ذي حياة الذي تتجلى فيه جميع تجليات الاسماء الحسنى وانوار الصفات الإلهية المحيطة بالكون. فالحياة - من هذه الزاوية - تجعل الكون من حيث الربوبية والايجاد بحكم الكلّ الذي لايقبل الانقسام والتجزئة، وتجعله بحكم الكلّي الذي تمتنع عليه التجزئة والاشتراك.
نعم! ان الختم الذي وَضَعه الخالق سبحانه على وجهك يدل بالبداهة على أن الذي خلقك هو خالق بني جنسك كلهم؛ ذلك لأن الماهية الانسانية واحدة، فانقسامها غير ممكن. وكذلك الامر في أجزاء الكائنات! اذ تتحول بوساطة الحياة كأنها افراد الكائنات، والكائنات كأنها نوع لتلك الافراد.
فكما تُظهر الحياة ختمَ الأحدية على مجموع الكون فانها تردّ الشرك والاشتراك وترفضه رفضاً باتاً باظهارها ختم الأحدية نفسَه وختم الصمدية على كل جزء من أجزاء الكون.
ثم ان في الحياة من خوارق الصنعة الربانية ومعجزات الابداع الباهر بحيث انه مَن لم يكن قادراً على خلق الكون يعجز كلياً عن خلق أصغر كائن حي فيه.
نعم، ان القلم الذي كتب فهرس شجرة الصنوبر الضخمة ومقدّراتها في بذرتها الصغيرة - ككتابة القرآن مثلاً على حبة حمص - هو ذلك القلم نفسَه الذي رصّع صفحات السماء بلآلئ النجوم، وان الذي ادرج في رأس النحل الصغير استعداداً يمكّنها من معرفة ازهار حدائق العالم كله، وتقدر على الارتباط مع اغلبها بوشائج، ويجعلها قادرة على تقديم ألذّ هدية من هدايا الرحمة الإلهية - وهي العسل - ويدفعها الى معرفة شرائط حياتها منذ أول قدومها الى الحياة لا شك