واعلم! ان لكل شئ صورتين:
اما احداهما:
فمادية محسوسة كقميصة قُدّتْ على مقدار قامة الشئ بتقدير القدر بغاية الانتظام..
واما الاُخرى:
فمعقولة مركبة من أشتات صُوَر الشئ في حركته في بحر الزمان، او مرور نهر الزمان عليه، كصورة الدائرة النورانية المخيلة الحاصلة من جولان الشعلة، فهذه الصورة المعنوية للشئ هي تاريخ حياة الشئ، وهي مدارُ القَدَر المشهور وهي المسماة بـ(مقدّرات الأشياء) . فكما أن الشئ - كالشجرة مثلاً - في الصورة المادية له نهايات منتظمة مثمرة، وله غايات موزونة متضمنة لمصالح حِكَمية، كذلك له في صورته المعنوية ايضاً نهايات منتظمة متضمنة لمصالح، وله حدود معينة تعينت لحِكَم خفية. فكأن القُدرة في الصورة الاولى كالباني، والقَدر كالهندسة، وفي الثانية كالمصدر، والقَدَر كالمِسطر(1). فتكتب القدرةُ كتابَ المعاني على رسوم مِسطَر القدر.
فيا ايها الكافر!.. تضطر في كفرانك وكفرك، عند المراجعة الى العلم والحقيقة أن تقبل في كل ذرةٍ وقوتها الجزئية الصغيرة معرفة صنعة خياطةٍ بدرجة تقتدر تلك الذرة - وطبيعة السببية - على أن تقدّ وتخيط ألبسةً وأقمصة مختلفة متنوعة بعدد أشتات الأشياء، التي يمكن أن تذهب اليها الذرة مع اقتدارها على تجديد الصور المتخرقة بأشواك الحادثات في مرور الزمان، مع أن الانسان الذي هو ثمرةُ شجرة الخلقة واقدر الاسباب - بزعمه - وأوسعها اختياراً، لو جمع كل قابلية صنعة خياطته ثم أراد أن يخيط قميصاً لشجرة ذات أشواك على مقدار أعضائها، ما اقتدر. مع ان صانعَها الحكيم يُلبسها في وقت نَمائها
--------------------
(1) المِسطَر: ما يسطَر به الكُتّاب.