النور). لذا كان يفضل العمل لرسائل النور التي هى تفسير للقرآن على أى شئ آخر. ترى ما حاجة من أفاض الله على قلبه من فيض قرآنه المجيد الى غيره؟
نعم لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أستاذنا في أثناء تأليف (رسائل النور) قدرة بلاغية عجيبة وقابلية كلام بديع قد لا يوفق إليها الكثيرون. فتلك الرسائل ألفت في حالات من الاغتراب والمرض والمراقبة والضيق بل ضمن ظروف لا تطاق، ولكن بتوفيق من الله سبحانه، وإسعافا للمؤمنين، ورغم جميع المشاكل والمعوقات، ألفت تلك الرسائل في الجبال والوديان والفيافى والبساتين، بعيدا عن أنظار المراقبة وأحيانا دون أن يكون لديه كاتب يعينه. وهكذا فالعناية الإلهية قد أحاطت بأستاذنا إحاطة خارقة في أثناء تأليفه الرسائل، فالحمد لله والشكر له وحده، إذ فتح الله سبحانه أمامه الكائنات كتابا واضحا ووهب له قدرة مطالعته بالكشف والشهود حتى بلغ مرتبة حق اليقين، فهذه الآثار ليست إلا حصيلة توفيق ربانى، إذ بين فيها حقائق القرآن الكريم ومعارفه بما فيها الآيات التشريعية والآيات الكونية.
ففي الوقت الذي ينبغى أن يكون هذا (السعيد) المسعود موضع فخر واعتزاز بما بين للبشرية بنور القرآن المبين طريق العروج إلى أعلى مراتب المعرفة الإلهية، برسائل النور، قام أهل الشقاء بنقيض ذلك فتجرأوا على تسميمه مرات ومرات. وربما كان ذلك من مقتضيات الحكمة الإلهية حيث تنزل المصائب والبلايا على ورثة الأنبياء والصالحين كما هو ثابت في الحديث الشريف (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل). حتى رماه الصبيان بالحجارة حينما خرج من بيته يوما في قسطموني قاصدا التوضؤ من النبع، ولكنه تحمل وتجمل بالصبر، ولم يحمل في صدره غير السلامة وفي قلبه غير الطهر لأولئك الصبيان، فلم يغضب ولم يحقد عليهم بل دعا لهم بالخير وقال: لقد أصبح هؤلاء سببا لكشفى سرا من أسرار آية جليلة في سورة (يس). ثم أصبح أولئك الصبيان بفضل الله وبركة الدعاء لهم، بعد ذلك يهرولون إلى أستاذنا أينما رأوه ويقبلون يده ويرجون منه الدعاء.
إن لأستاذنا مالا يعد ولا يحصى من خوارق الأحوال، وفي مقدمتها تأليف (رسائل النور). نعم إننا نعترف أن أستاذنا كان يقرأ خواطر قلوبنا، أدق وأكثر منا. وكثيرا ما كان ينبهنا إليه. ثم ننتبه. فعندما كنا نذهب مع أستاذنا إلى الجبل، نراه أحيانا يقوم فورا ويأمرنا بالقيام قبل أن يحين موعد العودة إلى البيت فنستفسر عن السبب ويقول: لنعد إلى المدينة بسرعة، انهم ينتظروننا لخدمة (رسائل النور). وفعلا لدى عودتنا نجد أن أحد طلاب النور ينتظرنا لأمر مهم. أو يخبرنا الجيران أن أحدأ قد سأل عنكم وتردد إلى البيت كثيرا ثم مضى إلى طريقه.
وذات يوم أعطت السيدة ( آسيا)- وهى من نسل العاشق الصغير أحد طلاب مولانا خالد قدس سره - جبة مولانا خالد والتي كانت تحتفظ بها منذ سنوات طويلة،