السيرة الذاتية | تقديم الأخ الفاضل مصطفى صونطور | 8
(1-13)
معاني لكل طبقة من طبقات البشرية، وذلك لكون القرآن الكريم خطابا لعموم طبقات البشر. لذا فالمعاني المبينة هي في حكم جزئيات لتلك القاعدة الكلية، فيذكر كل مفسر، وكل عارف بالله جزءا من ذلك المعنى الكلى ويستند في تفسيره هذا إما إلى كشفياته أو إلى دليله أو إلى مشربه، فيرجح معنى من المعاني. وقد كشفت ظائفة في هذا أيضا معنى موافقا لذلك العدد.
فمثلا يذكر الأولياء في أورادهم ويكررون باهتمام بالغ قوله تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان﴾(الرحمن:19-20) ولهذه الآية الكريمة معان جزئية ابتداء من بحر الربوبية في دائرة الوجوب وبحر العبودية في دائرة الإمكان، وانتهاء إلى بحري الدنيا والآخرة، وإلى بحري عالم الشهادة وعالم الغيب، والى البحار المحيطة في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، وإلى بحر الروم وبحر فارس، والبحر الأبيض والأسود، والى المضيق بينهما الذي يخرج منه السمك المسمى بالمرجان، والى البحر الأحمر وقناة السويس، والى بحار المياه العذبة والمالحة، والى بحار المياه الجوفية العذبة المتفرقة والبحار المالحلة التي على ظهر الأرض المتصل بعضها ببعض مما يسمى بالبحار الصغيرة العذبة من الأنهار الكبيرة كالنيل ودجلة والفرات، والبحار المالحلة التي تختلط معها.

ذ
كل هذه الجزئيات موجودة ضمن معانى تلك الآية الكريمة، وجميع هذه الجزئيات تصح أن تكون مرادة ومقصودة، فهى معان حقيقية للآية الكريمة ومعان مجازية لها.

وهكذا فإن ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ أيضا جامعة لحقائق كثيرة جدا مثلما ذكر، وأن أهل الكشف والحقيقة يبينونها ببيانات متباينة حسب كشفياتهم. وأنا أفهم من الآية الكريمة الآتي:
إن في السموات ألوفا من العوالم، ويمكن أن يكون كل نجم في مجموعته عالما بذاته، وأن كل جنس من المخلوقات في الأرض أيضا عالم بذاته، حتى إن كل إنسان عالم صغير. فكلمة ﴿رب العالمين﴾ تعنى: أن كل عالم يدار ويربى ويدبر شؤونه بربوبيته سبحانه وتعالى مباشرة)).
وأورد خاطرة من أستاذنا:
كنا في إسثارطة، نتدارس في (رسائل النور) درسا إيمانيا. والأستاذ جالس على سريره ويتابع الدرس في رسالة بالحروف العربية، وإذا به يعتدل ويخرج نظارته ويتوجه إلينا قائلا: أنتم شباب، ذاكرتكم قوية، أما أنا فقد شبت وكلت ذاكرتي ولكنى أقسم لكم بالله أننى استفدت من هذا الدرس وكأننى أقرأه لأول مرة. علما أنني قد قرأته لحد الآن عشرة آلاف مرة. وبعد بضعة أيام قال: (أو قد قلت لكم قبل أيام كذا وكذا. إن هذه الدروس لا حد للرقى فيها لأنها من فيض القرآن الكريم).

كان الأستاذ حريصا على صرف الأنظار عن شخصه إلى (رسائل النور)، فكان

لايوجد صوت