الفصل الثاني
في آنقرة
1922 م (1340هـ)
الدعوة إلى آنقرة:
حينما تبدلت نشوة (سعيد القديم) وابتساماته إلى نحيب (سعيد الجديد) وبكائه، وذلك في بداية المشيب، دعاني أرباب الدنيا في (آنقرة) اليها، ظناً منهم أنني (سعيد القديم) فاستجبت للدعوة.(1) حيث أرسل مصطفى كمال رسالتين برقيتين بالشفرة إلى صديقي تحسين بك الذي كان سابقاً والياً على مدينة (وان) يستدعيني إلى (آنقرة) لكي يكافئني على قيامي بنشر رسالة (الخطوات الست) فذهبت إليها،(2) سنة 1338(1922م) وشاهدت فرح المؤمنين وابتهاجهم باندحار اليونان أمام الجيش الإسلامي، الاّ أنني أبصرتُ -خلال موجة الفرح هذه- زندقة رهيبة تدب بخبث ومكر، وتتسلل بمفاهيمها الفاسدة إلى عقائد أهل الإيمان الراسخة بغية إفسادها وتسميمها.. فتأسفتُ من أعماق روحي، وصرختُ مستغيثاً بالله العلي القدير ومعتصماً بسور هذه الآية الكريمة،(3) من هذا الغول الرهيب الذي يريد ان يتعرض لأركان الإيمان، فكتبت برهاناً قوياً حاداً يقطع رأس تلك الزندقة، في رسالة باللغة العربية واستقيت معانيها وأفكارها من نور هذه الآية الكريمة لإثبات بداهة وجود الله سبحانه ووضوح وحدانيته، وقد طبعتها في مطبعة (يَني گون) في آنقرة.. الاّ أنني لم ألمس آثار البرهان الرصين في مقاومة الزندقة وإيقاف زحفها إلى أذهان الناس. وسبب ذلك كونه مختصراً ومجملاً جداً، فضلاً عن قلة الذين يُتقنون العربية في تركيا وندرة المهتمين بها آنذاك، لذا فقد انتشرت أوهام ذلك الإلحاد واستشرت في صفوف الناس مع الأسف الشديد...(4)
((أجل إن الهدف الذي كان يصبو إليه بديع الزمان منذ نعومة أظفاره والأمل الذي كان يحدوه وهو في طريقه إلى آنقرة هو حصول صحوة
----------------------------
(1) اللمعات/ 351
(2) الشعاعات/419-421
(3) المقصود: ﴿أفي الله شك فاطر السموات والأرض﴾
(4) اللمعات/ 267