السيرة الذاتية | الفصل السادسا | 308
(305-328)

-وهي الربيع- ثلاثمائة ألف نوع من الكتب المختلفة وهي طوائف الحيوانات وأجناس النباتات كل منها بمثابة كتاب.. يُكتب كل ذلك معا ومتداخلة بعضها ببعض دون اختلاط، ولا خطأ، ولا نسيان، وفي منتهى الانتظام والكمال بل يُكتب في كل كلمة منه -كالشجرة- قصيدة كاملة رائعة، وفي كل نقطة منه -كالبذرة- فهرس كتاب كامل. وان هذا مشاهد وماثل أمامنا، ويُرينا بالتأكيد وراءه قلماً سيالاً يسطر. فلكم ان تقدروا مدى دلالة كتاب الكون الكبير العظيم الذي في كل كلمة منه معان جمة وحكم شتى، ومدى دلالة هذا القرآن الأكبر المجسم -وهو العالم- إلى بارئه سبحانه وإلى كاتبه جل وعلا، قياسا إلى ذلك الكتاب المذكور في المثال. وذلك بمقتضى ما تقرأونه من علم حكمة الأشياء او فن القراءة والكتابة، وتناولوه بمقياس اكبر، وبالنظرة الواسعة إلى هذا الكون الكبير وبذلك تفهمون كيف يعرّف الخالق العظيم بـ(الله اكبر) وكيف يعلّم التقديس بـ(سبحان الله) وكيف يحبّب الله سبحانه إلينا بثناء (الحمد لله).
وهكذا فان كل علم من العلوم العديدة جداً، يدل على خالق الكون ذي الجلال - قياسا على ما سبق - ويعرّفه لنا سبحانه بأسمائه الحسنى، ويعلّمه إيانا بصفاته الجليلة وكمالاته. وذلك بما يملك من مقاييس واسعة، ومرايا خاصة، وعيون حادة باصرة، ونظرات ذات عبرة.
فقلت لأولئك الطلبة الشباب: ان حكمة تكرار القرآن الكريم من: ﴿خلقَ السمواتِ والأرض﴾و﴿ربّ السموات والأرض﴾ إنما هي لأجل الإرشاد إلى هذه الحقيقة المذكورة، وتلقين هذا البرهان الباهر للتوحيد، ولأجل تعريفنا بخالقنا العظيم سبحانه. فقالوا: شكراً لربنا الخالق بغير حد، على هذا الدرس الذي هو الحقيقة السامية عينها، فجزاك الله عنا خير جزاء ورضي عنك.(1)
سعاة بريد النور:
(بقي بديع الزمان في "قسطموني" ثماني سنوات استمر خلالها

-------------------------

(1) الشعاعات/257

لايوجد صوت