جالَسَ ما يقرب من ستين من طلاب النور طوال أربعة اشهر وحاورهم محاورات مغرية لجلبهم إلى الطريقة، الاّ انه لم يتمكن الاّ على ضم واحدٍ منهم إلى صفه، وبصورة مؤقتة. أما الباقون فقد ظلوا مستغنين عنه وهو الولي الصالح، إذ كفتهم الخدمة الإيمانية الرفيعة التي تقدمها رسائل النور، واطمأنوا بها. ولقد فقه أولئك الأبطال بقلوبهم الواعية ورأوا ببصيرتهم النافذة الحقيقة الآتية:
ان خدمة رسائل النور هي إنقاذ الإيمان، أما الطريقة والمشيخة فهي تكسب المرء مراتب الولاية. وان إنقاذ إيمان شخص من الضلال أهم بكثير واجزل ثواباً من رفع عشرة من المؤمنين إلى مرتبة الولاية؛ حيث أن الإيمان بمنحه للإنسان السعادة الأبدية يضمن له ملكاً أوسع من الأرض كلها. أما الولاية فإنها توسّع من جنة المؤمن وتجعلها أسطع وابهر. وكما ان رفع مرتبة إنسان اعتيادي إلى سلطان، أعظم من رفع عشرة من الجنود إلى مرتبة القائد، كذلك الثواب اعظم واجزل في إنقاذ إيمان إنسان من الضلالة، من رفع عشرة من الناس إلى مرتبة أولياء صالحين. فهذا السر الدقيق هو الذي أبصرته القلوب النفاذّة لإخوانك في اسپارطة، وان لم تره عقول قسم منهم. ولهذا فضّلوا صداقة شخص ضعيف مذنب مثلي، على صداقة أولياء عظام بل على مجتهدين ان وجدوا.
فبناء على هذه الحقيقة:
لو ان قطباً من أقطاب الأولياء أو شيخاً جليلاً كالگيلاني، أتى إلى هذه المدينة وقال لك سأرفع مرتبتك إلى مرتبة الولاية في عشرة أيام، وذهبت إليه تاركاً رسائل النور، فلا تستطيع أن تصادق أبطال اسپارطة.(1)
ورطة المتدينين:
ان هذا العصر العجيب الذي اثقل كاهل الإنسان بالحياة الدنيوية بما كثّر عليه من متطلبات الحياة وضيق عليه مواردها، وحوّل حاجاته غير
---------------------------
(1) الملاحق- قسطموني/132