الضرورية إلى ضرورية بما ابتلاه من تقليد الناس بعضهم بعضاً، ومن التمسك بعادات مستحكمة فيهم، حتى جعل الحياة والمعاش هي الغاية القصوى والمقصد الأعظم للإنسان في كل وقت.
فهذا العصر العجيب أسدل بهذه الأمور حجاباً دون الحياة الدينية والأخروية والأبدية، او في الأقل جعلها امراً ثانوياً او ثالثياً بالنسبة له. لذا جوزي الإنسان على خطئه هذا بلطمة قوية شديدة حوّلت دنياه جحيماً لا تطاق. وهكذا يتورط المتدينون ايضاً في هذه المصيبة الرهيبة، ولا يشعر قسم منهم انهم قد وقعوا في الورطة. واذكر مثالاً:
رأيت عدداً من الأشخاص -من أهل التقوى- يرغبون في الدين ويحبون ان يقيموا أوامره كي يوفقوا في حياتهم الدنيوية ويفلحوا في أعمالهم. حتى ان منهم من يطلب الطريقة الصوفية لاجل ما فيها من كرامات وكشفيات. بمعنى انه يجعل رغبته في الآخرة وثمارها تكأة ومرتبة سلم للوصول إلى أمور دنيوية، ولا يعلم هذا ان الحقائق الدينية التي هي أساس السعادة الدنيوية كما هي أساس السعادة الأخروية، لا تكون فوائدها الدنيوية الاّ مرجحة ومشوقة، فلو ارتقت تلك الفائدة إلى مرتبة العلة لعمل البر، فإنها تبطله، وفي الأقل يفسد إخلاصه، ويذهب ثوابه. وقد ثبت بالتجربة ان افضل منقذ من ظلم هذا العصر المريض الغادر المشؤوم ومن ظلماته الدامسة؛ هو النور الذي تشعه رسائل النور بموازينها الدقيقة وموازناتها السديدة. يشهد على صدق هذا أربعون ألف شاهد.
بمعنى ان القريبين من دائرة رسائل النور ان لم يدخلوها ، فهناك احتمال قوي لهلاكهم.(2)
الحقائق الإيمانية أول المقاصد:
بينما ينبغي ان تكون الحقائق الإيمانية أول مقصد وأسبقه في هذا الزمان وتبقى سائر الأمور في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، وفي الوقت الذي ينبغي ان تكون خدمة الحقائق الإيمانية برسائل النور اجلّ وظيفة وموضع اهتمام ولهفة ومقصودة بالذات، إلاّ ان أحوال العالم
--------------------
(2) الملاحق- قسطموني/145