العمر يمضي في غفلة مطبقة، يعقبه خوف رهيب كمن يساق خطوة خطوة نحو المشنقة.
واجل الدنيا وسكراتها اي القيامة يشبه هذا تماماً، اذ لوكان وقتها معيناً، لكانت القرون الاولى والوسطى غير متأثرة بفكرة الآخرة الا قليلا ولا ينفعل بها الا جزئياً، اما القرون الاخرى فكانت تعيش في رعب مستديم. وما كانت لتبقى - حينئذ - للحياة متعة وقيمة، ولا للعبادة - التي هي طاعة الفرد باختياره ضمن الخوف والرجاء - أهمية وحكمة.
ثم، لو كان وقت القيامة معيناً، لدخل قسم من الحقائق الايمانية ضمن البديهيات، أي يصدق بها الجميع سواء أرادوا أم لم يريدوا، ولاختل عندئذ سر التكليف وحكمة الايمان المرتبطان بارادة الانسان واختياره.
وهكذا اخفيت الامور الغيبية لأجل مصالح كثيرة امثال هذه، فصار الانسان يتوقع مجئ أجله كل دقيقة مثلما يتوقع بقاءه فيها، ويفكر فيهما معاً، ويسعى بجد للدنيا سعيه للآخرة، ومثلما يتوقع قيام الساعة في كل عصر يتوقع دوام الدنيا فيه ايضاً. ومن هنا غدا الانسان متمكناً من العمل للحياة الابدية وهو ينظر الى فناء الدنيا، ويعمل في الوقت نفسه لعمارة الدنيا، وكأنه يعيش أبداً.
ثم أنه لو كان وقت المصائب والبلايا معيناً، لتجرع الانسان أذى وألماً معنويين من جراء انتظاره وقوع المصيبة ونزول البلاء أضعاف أضعاف ألم المصيبة نفسها. لذا سترت الحكمة الإلهية ورحمتها الواسعة المصائب، فظلت مخفية عن الانسان ومستورة عنه، فلا يتأذى بمثل ذلك الالم المعنوي.
وحيث ان اغلب الحوادث الكونية الغيبية تتضمن امثال هذه الحكم، فقد منع الاخبار عن الغيب. وحتى الذين يخبرون عنه باذن رباني، فقد أخبروا عنه اخباراً على صورة اشارات فقط، مع شئ من الابهام دون الصراحة المكشوفة، فيما عدا الحقائق الايمانية وما هو مدار التكليف، وذلك لئلا يكون هناك قلة توقير وعدم امتثال كامل