ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الثاني | 14
(1-49)

الحية منها وبخاصة الاحياء الصغيرة منها، ما ان تظهر حتى تختفي عقبه.. فتتعاقب مناظر الموت والزوال باستمرار وفي فعالية دائمة. وبدت امامي حزينةً أليمةً مسّت اوتار عواطفي واثارت رقتي حتى دفعتني الى البكاء. وكنت كلما شاهدت موت تلك الاحياء الصغيرة اللطيفة اعتصر قلبي ألماً وتأففت قائلاً: ياحسرتاه.. اواه.. آه.. فاستشعر ضراماً روحياً منبعثاً من الاعماق حتى رأيت الحياة التي تؤول الى هذه النتيجة عذاباً أليماً دونه الموت.
وكذا رأيت في عالم النباتات والحيوانات، أن تلك الاحياء الجميلة جداً والمحبوبة جداً وهي في أتم اتقان وابداع، ما ان تفتح عينيها للحياة في لحظات وتشاهد هذا المهرجان الكوني العظيم الاّ وتمحى وتفنى. فكلما شاهدت هذه الحالة تفطر كبدى حزناً وكمداً، وكأنه يشكو باكياً وهو يقول : لِمَ أتوا اذن الى هذا العالم ولِمَ يرحلون دون ان يمكثوا فيه؟ فكان قلبي يطرح اسئلة مخيفة ازاء الدهر والمقدرات. اذ مثل هذه المصنوعات اللطيفة تذهب دون جدوى، ولاغاية، ولانتيجة، وتعدم بسرعة متناهية مع اننا نرى اهتماماً عظيماً بها ودقة متناهية في صنعها واتقاناً في ابداعها، مع توفير الاجهزة اللازمة لها والرعاية التامة في تربيتها وتنشئتها والتدبير الكامل لشؤونها وخلقها على اتم صورة. ولكن بعد كل هذا نرى تمزقها وتشتتها وفناءها ومحوها وقذفها في ظلمات العدم.. هذا المنظر الأليم، كلما تأملته صرخت جميع لطائفي المفتونة بانواع الكمال والمبتلاة بأنماط الجمال، والعاشقة للاشياء النفيسة القيّمة، واستغاثت قائلة: لِمَ لاتُرحم هذه المخلوقات؟ يالهفتاه! من اين يأتي هذا الفناء والزوال ضمن الدوران والتجوال المحيّر للعقول ويسلط على هذه الصغار اللطاف؟.. وما ان بدأت الاعتراضات المخيفة تتوجه نحو القدر لما يُرى في ظاهر المقدرات الحياتية من احوال أليمة حزينة، اذا بنور القرآن والايمان والتوحيد ولطف الرحمن يسعفني ويعينني؛ وينوّر تلك الظلمات، ويقلب بكائي ونحيبي وحسراتي الى سرور وفرح والى النطق بـ(ما شاء الله، بارك الله)، بدلاً من التلهف والتحسر واطلاق

لايوجد صوت