ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الثاني | 19
(1-49)

لهم حباً شديداً وتبجيلاً عظيماً وتقديراً لائقاً وارتبط بهم بعلاقة وثيقة.
وازاء هذا الامر توجهت الى الجهات الست لأستمدّ منها العون. فلم اجد ما يسلّيني ابداً. حيث ان جهة الماضي قد تحولت الى مقبرة كبرى واسعة، وجهة المستقبل مظلم مخيف، وجهة الفوق مخيفة رهيبة، وجهة الاسفل وكذا اليمين والشمال كلها جهات تورث حالات أليمة حزينة. فرأيت كأن الاشياء المضرة التي لاتحد تنقض عليّ انقضاضاً، فأغاثني سر التوحيد من حالتي التي كنت فيها ورفع الستار من امام بصيرتي وأراني حقيقة هذه الجهات قائلاً: انظر! فنظرت اول مانظرت الى وجه الموت المخيف. ورأيت ان الموت لاهل الايمان تسريح من الوظيفة، والاجل هو بطاقته. فالموت اذن تبديل مكان، ومقدمة لحياة باقية، وباب اليها. وهو انطلاق من سجن الدنيا الى بساتين الآخرة. وهو انتظار زمن الوصول الى ديوان الرحمن الرحيم لاستلام اجرة العمل، وهو دعوة الى دار السعادة.
ولما فهمت حقيقة الموت فهماً يقيناً احببته.
ثم نظرت الى الزوال والفناء، ورأيت: أن زوال الاشياء انما هو تجديد لها ولأمثالها، فهو تجديد ممتع ملذ، شبيه بتجدد مشاهد السينما وشبيه بتجدد جمال حباب النهر الجاري تحت ضوء الشمس. لذا علمت يقيناً ان زوال الاشياء وفناءها انما هو تجديد للتجليات الجميلة للأسماء الحسنى ، و وظيفة يؤديها ضمن سير وتجوال في عالم الشهادة بعد مجيئها من عالم الغيب، وهو مظاهرحكيمة لجمال الربوبية، فالموجودات تؤدي به وظيفة المرآة ازاء الحسن السرمدي.
ثم نظرت الى الجهات الست ورأيت: انها نورانية بسر التوحيد بل نورانية الى حد يكاد سنا نورها يخطف بالابصار. حتى رأيت أن الزمان الماضي لم يعد مقبرة عظيمة بل انقلب الى المستقبل ليكون مجالس نورانية ومجامع أحباب ومناظر نورانية تزيد على الالوف.
وهكذا على غرار هاتين المادتين نظرت الى الوجوه الحقيقية لالوف المواد. ورأيت انها لا تورث الاّ السرور والفرح.

لايوجد صوت