ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﺎﺕ | الشعاع الرابع | 85
(71-109)

ما رحل عن الوجود الظاهري، فانه يترك روحه - ان كان من ذوي الارواح - ويترك معناه، وحقيقته، ومثاله، ونتائجه الدنيوية لماهيته الشخصية وثمراتها الاخروية، وهويته، وصورته، يترك كل ذلك في القوى الحافظة لذاكرة الناس، وفي الالواح المحفوظة، وفي شرائط افلام المناظر السرمدية، وفي مشاهد العلم الازلي، مودعاً في دفتر اعماله تسبيحاته الفطرية التي تمثله وتمنحه البقاء وتلبيته الفطرية لتجليات الاسماء الإلهية ومقتضياتها، وقيامه بوظيفة المرآة الظاهرة، فعلمت علم اليقين أن الموجود يترك بدلاً من وجوده الظاهري انواعاً كثيرة من وجود معنوي - امثال ما ذكر - هي اسمى وارقى منه ثم يرحل.
وهكذا يمكن ان يكون الانسان مالكاً لهذه الانواع المذكورة من وجود معنوي باقٍ خالد، بالايمان وبما فيه من شعور وانتساب. وانه لولا الايمان لضاع في العبث وذهب الى العدم، فضلاً عن حرمانه من تلك الانواع من الوجود.
كنت أتأسف كثيراً - في وقت ما - على زوال ازاهير الربيع وفنائها بسرعة، حتى كنت أتألم لحال تلك اللطيفات، ولكن الحقيقة الايمانية التي وضحت هنا قد بيّنت ان تلك الازاهير -كما ذكر- هي بذور ونوى في عالم المعنى تثمر كالشجرة والسنبل جميع انواع ذلك الوجود -عدا الروح- كما ذكر؛ فما تغنمه اذن تلك الازاهير من حيث نور الوجود هي مائة ضعف وضعف لما تفقده من وجود، اذ وجودها الظاهري لا يُمحى بل يختفي.. فضلاً عن ان تلك الازاهير هي صور متجددة لحقيقتها النوعية الباقية؛ اذ موجودات الربيع الماضي من اوراق وازاهير وثمرات وامثالها هي امثال ما في هذا الربيع. والفرق هو اعتباري فحسب، ففهمت أن هذا الفرق الاعتباري ايضاً انما هو لإضفاء معاني متعددة ومختلفة على كلمات الحكمة هذه، وعبارات الرحمة وحروف القدرة الإلهية هذه. وهذا الفهم دفعني الى ان أردد: ما شاء الله.. بارك الله.. بدلاً من ان تذهب نفسي حسراتٍ على زوال تلك الازاهير.

لايوجد صوت