أن الحياة تتصفى بالمصائب والبلايا، وتتزكى بالامراض والنوائب، وتجد بها الكمال وتتقوى وتترقى وتسمو وتثمر وتنتج وتتكامل وتبلغ هدفها المراد لها، فتؤدي مهمتها الحياتية. أما الحياة الرتيبة التي تمضى على نسق واحد وتمر على فراش الراحة، فهي أقرب الى العدم الذي هو شر محض منه الى الوجود الذي هو خير محض. بل هي تفضي الى العدم.
الوجه الثالث:
إن دار الدنيا هذه ما هي إلاّ ميدان اختبار وابتلاء، وهي دار عمل ومحل عبادة، وليست محل تمتع وتلذذ ولا مكان تسلم الاجرة ونيل الثواب.
فما دامت الدنيا دار عمل ومحل عبادة، فالامراض والمصائب عدا الدينية منها وبشرط الصبر عليها تكون ملائمة جدا مع ذلك العمل، بل منسجمة تماماً مع تلك العبادة، حيث أنها تمد العمل بقوة وتشد من أزر العبادة، فلا يجوز التشكي منها، بل يجب التحلي بالشكر لله بها، حيث أن تلك الامراض والنوائب تحوّل كل ساعة من حياة المصاب عبادة ليوم كامل.
نعم، ان العبادة قسمان:
قسم ايجابي وقسم سلبي..
فالقسم الاول معلوم لدى الجميع، أما القسم الاخر فان البلايا والضر والامراض تجعل صاحبها يشعر بعجزه وضعفه، فيلتجىء الى ربه الرحيم، ويتوجه اليه ويلوذ به، فيؤدي بهذا عبادة خالصة. هذه العبادة خالصة زكية لا يدخل فيها الرياء قط. فإذا ما تجمل المصاب بالصبر وفكّر في ثواب ضره عند الله وجميل أجره عنده، وشكر ربه عليها، تحولت عندئذ كل ساعة من ساعات عمره كأنها يوم من العبادة، فيغدو عمره القصير جداً مديداً طويلاً، بل تتحول – عند بعضهم – كل دقيقة من دقائق عمره بمثابة يوم من العبادة.. ولقد كنت أقلق كثيراً على ما أصاب أحد