اخوتي في الاخرة وهو (الحافظ احمد المهاجر)(1) بمرض خطير، فخطر الى القلب ما يأتي:
(بشّره، هنّئه، فان كل دقيقة من دقائق عمره تمضي كأنها يوم من العبادة) حقاً انه كان يشكر ربه الرحيم من ثنايا الصبر الجميل.
النكتة الثالثة:
مثلما بينّا في (الكلمات) السابقة أنه: اذا ما فكر كل انسان فيما مضى من حياته فسيرد الى قلبه ولسانه: واأسفاه، أو الحمد لله، أي إما أنه يتأسف ويتحسر، أو يحمد ربه ويشكره. فالذي يقطر الاسف والاسى انما يكون بسبب الآلام المعنوية الناشئة من زوال اللذائذ السابقة وفراقها، ذلك لأن زوال اللذة ألم، بل قد تورث لذةٌ زائلة طارئة آلاماً دائمة مستمرة، فالتفكر فيها يعصر ذلك الالم ويقطر منه الاسف والاسى، بينما اللذة المعنوية والدائمة الناشئة من زوال الآلام المؤقتة التي قضاها المرء في حياته الفائتة، تجعل لسانه ذاكراً بالحمد والثناء لله تعالى.. هذه حالة فطرية يشعر بها كل انسان، فاذا ما فكر المصاب – علاوة على هذا – بما أدّخر له ربه الكريم من ثواب جميل وجزاء حسن في الآخرة وتأمل في تحول عمره القصير بالمصائب الى عمر مديد فانه لايصبر على ما انتابه من ضُر وحده، بل يرقى ايضاً الى مرتبة الشكر لله والرضا بقَدَره، فينطلق لسانه حامداً ربه وقائلاً: الحمد لله على كل حال سوى الكفر والضلال.
ولقد سار مثلا عند الناس: (ما اطول زمن النوائب!). نعم، هو كذلك ولكن ليس بالمعنى الذي في عرف الناس وظنهم من أنه طويل بما فيه من ضيق وألم، بل هو طويل مديد كالعمر الطويل بما يثمر من نتائج حياتية عظيمة.
النكتة الرابعة:
لقد بينّا في المقام الاول للكلمة الحادية والعشرين:
-------------------
(1) المهاجر الحافظ احمد: هو احد اشراف التجار في بارلا ومن أوائل طلاب النور لازم الاستاذ النورسي طوال بقائه في بارلا. توفي سنة 1948م رحمة الله عليه. – المترجم.