والتضرع اليه دون انقطاع. أما المصائب التي لاتمس الدين فهي في حقيقة الامر ليست بمصائب، لأن قسماً منها:
تنبيه رحماني! يبعثه الله سبحانه الى عبده ليوقظه من غفلته، بمثل تنبيه الراعي لشياهه عندما تتجاوز مرعاها، فيرميها بحجر، والشياه بدورها تشعر أن راعيها ينبهها بذلك الحجر ويحذرها من أمر خطير مضر، فتعود الى مرعاها برضى واطمئنان. وهكذا النوائب الظاهرة فان الكثير منها تنبيه الهي، وايقاظ رحماني للانسان.
أما القسم الآخر من المصائب فهو كفارة للذنوب.
وقسم آخر أيضاً من المصائب هو منحة إلهية لتطمين القلب وافراغ السكينة فيه، وذلك بدفع الغفلة التي تصيب الانسان، واشعاره بعجزه وفقره الكامنين في جبلته.
أما المصيبة التي تنتاب الانسان عند المرض – فكما ذكرنا آنفا – فهي ليست بمصيبة حقيقية، بل هي لطف رباني لانه تطهير للانسان من الذنوب وغسل له من أدران الخطايا، كما ورد في الحديث الصحيح:
(ما من مسلم يصيبه أذى الاّ حاتّ الله عنه خطاياه كما يحاتّ ورق الشجر)(1) وهكذا فان سيدنا ايوب عليه السلام لم يدعُ في مناجاته لاجل نفسه وتطميناً لراحته، وانما طلب كشف الضر من ربه عندما أصبح المرض مانعاً لذكر الله لسانا، وحائلاً للتفكر في ملكوت الله قلباً، فطلب الشفاء لأجل القيام بوظائف العبودية خالصة كاملة. فيجب علينا نحن ايضاً أن نقصد – بتلك المناجاة – أول ما نقصد: شفاء جروحنا المعنوية وشروخنا الروحية القادمة من ارتكاب الآثام واقتراف الذنوب ولنا الالتجاء الى الله القدير عندما تحول الامراضُ المادية قيامنا بالعبادة كاملة، فنتضرع اليه عندئذ بكل ذل وخضوع ونستغيثه دون أن يبدر منا أي اعتراض أو شكوى، اذ مادمنا راضين كل الرضا بربوبيته الشاملة فعلينا الرضا والتسليم المطلق بما يمنحه سبحانه لنا بربوبيته.. أما الشكوى التي تومىء الى الاعتراض على قضائه وقدره، واظهار التأفف والتحسر، فهي أشبه ما يكون بنقد للقدر الإلهي العادل واتهام لرحمته
---------------
(1) رواه البخاري – كتاب المرضى والطب . – المترجم.