اللمعات | اللمعة الثانية | 12
(7-17)

ان الانسان إن لم يشتت ما وهبه الباري سبحانه من قوة الصبر، ولم يبعثرها في شعاب الاوهام والمخاوف، فان تلك القوة يمكن ان تكون كافية للثبات حيال كل مصيبة وبلاء، ولكن هيمنة الوهم وسيطرة الغفلة عليه والاغترار بالحياة الفانية كأنها دائمة.. يؤدي الى الفتّ من قوة صبره وتفريقها الى آلام الماضي ومخاوف المستقبل، فلا يكفيه ما أودعه الله من الصبر على تحمل البلاء النازل به والثبات دونه، فيبدأ ببث الشكوى حتى كأنه يشكو الله للناس، مبدياً من قلة الصبر ونفاده ما يشبه الجنون فضلاً عن أنه لا يحق له أنه يجزع هذا ابداً؛ ذلك لان كل يوم من أيام الماضي – ان كان قد مضى بالبلاء – فقد ذهب عسره ومشقته وترك راحته، وقد زال تعبه وألمه وترك لذته، وقد ذهب ضنكه وضيقه وثبت أجره، فلا يجوز اذن الشكوى منه، بل ينبغي الشكر لله تعالى عليه بشوق ولهفة. ولا يجوز كذلك الامتعاض من المصيبة والسخط عليها بل ينبغي ربط أواصر الحب بها، لأن عمر الانسان الفاني الذي قد مضى يتحول عمراً سعيداً باقياً مديداً بما يعاني فيه من البلاء، فمن البلاهة والجنون أن يبدد الانسان قسماً من صبره ويهدره بالاوهام والتفكر في البلايا التي مضت والآلام التي ولت. أما الايام المقبلة، فحيث أنها لم تأت بعد ومجهولة مبهمة، فمن الحماقة التفكر فيها من الآن والجزع عما يمكن أن يصيب الانسان فيها من مرض وبلاء. فكما أنه حماقة أن يأكل الانسان اليوم كثيراً من الخبز ويشرب كثيراً من الماء لما يمكن أن يصيبه من الجوع والعطش في الغد أو بعد غد، كذلك التألم والتضجر من الآن لما يمكن أن يبتلى به في المستقبل من امراض ومصائب هي الآن في حكم العدم، واظهار الجزع نحوها دون أن يكون هناك مبرر واضطرار، هو بلاهة وحماقة الى حد تسلب العطف على صاحبها والاشفاق عليه. فوق أنه قد ظلم نفسه بنفسه.
الخلاصة:
ان الشكر مثلما يزيد النعمة، فالشكوى تزيد المصيبة وتسلب الترحم والاشفاق على صاحبها.

لايوجد صوت