اللمعات | اللمعة الثالثة | 20
(18-25)

أما الجملة الثانية:
(ياباقي انت الباقي) فهي كالمرهم الشافي والبلسم الناجع يمرر على العملية الجراحية التي أجرتها الجملة الاولى على القلب وروابطه، حيث انها تعني: (كفى بك ياإلهي باقياً. فبقاؤك بديل عن كلّ شيء.. وحيث انك موجود فكل شيء موجود اذاً).
نعم! ان ما يبدو على الموجودات من الحسن والاحسان والكمال – والذي يبعث على محبتها – ما هو إلاّ اشارات لحسن الباقي الحقيقي واحسانه وكماله، وما هو إلاّ ظلال خافتة لذلك الحسن والاحسان والكمال نفذت من وراء حجب كثيرة وأستار عدة، بل هو ظلال لظلال تجليات اسمائه الحسنى جل جلاله.
 النكتة الثانية:
في فطرة الانسان عشق شديد محو البقاء، حتى انه يتوهم نوعاً من البقاء في كل ما يحبه، بل لا يحب شيئاً إلاّ بعد توهمه البقاء فيه، ولكن حالما يتفكر في زواله أو يشاهد فناءه يطلق عليه الزفرات والحسرات من الاعماق.
نعم! ان جميع الآهات والحسرات الناشئة من انواع الفراق، انما هي تعابير حزينة تنطلق من عشق البقاء. ولولا توهم البقاء لما أحب الانسان شيئاً.
بل يصح القول:
ان سبباً من اسباب وجود عالم البقاء والجنة الخالدة هو الرغبة الملحة للبقاء المغروزة في فطرة الانسان، والدعاء العام الشامل الذي يسأله بشدة للخلود.. فاستجاب الباقي ذو الجلال لتلك الرغبة الملحة ولذلك الدعاء العام المؤثر، فخلق سبحانه عالماً باقياً خالداً لهذا الانسان الفاني الزائل، اذ هل يمكن ألاّ يستجيب الفاطرُ الكريم والخالق الرحيم دعاء تسأله البشرية قاطبة بلسان حالها ومقالها، ذلك الدعاء الكلي الدائمي الحق والخالص النابع من صميم حاجتها

لايوجد صوت