أما اذا اردنا ان نبين وجها صحيحا للمثل السابق فسيكون كالاتي:
ان وصال الموجودات الفانية قصير جداً لأنه فان، فمهما طال فهو يمضي في لمحة، ويغدو خيالا ذا حسرة، ورؤيا عابرة تورث الأسى. فالقلب الانساني التواق للبقاء لا يستمتع من سنة من هذا الوصال الابمقدار مافي الثانية الواحدة من لذة. بينما الفراق طويل وميدانه واسع فسيح، فثانية واحدة منه تستجمع الوانا من الفراق ما يستغرق سنة كاملة، بل سنين، فالقلب المشتاق الى الخلود يتأذى من فراق يمضي في ثانية واحدة، كأنه ينسحق تحت آلام فراق سنين عدة، حيث يذكّره ذلك الفراق بما لا يعد من انواع الفراق. وهكذا فماضي جميع اشكال المحبة المادية والهابطة ومستقبلها ملىء بألوان من الفراق.
وللمناسبة نقول:
أيها الناس! أتريدون تحويل عمركم القصير الفاني الى عمر باق طويل مديد، بل مثمر بالمغانم والمنافع؟
فما دام الجواب: ان نعم! وهو مقتضى الانسانية، فاصرفوا اذن عمركم في سبيل الباقي، لأن ايما شيء يتوجه الى الباقي ينال تجلياً من تجليات الباقية.
ولما كان كل انسان يطلب بإلحاح عمراً طويلا وهو مشتاق الى البقاء، وثمة وسيلة أمامه لتحويل هذا العمر الفاني الى عمر باق، بل يمكن تبديله الى عمرٍ طويل معنى، فلابد أنه – ان لم تسقط انسانيته – سيبحث عن تلك الوسيلة وينقب عنها، ولابد أنه سيسعى حثيثا لتحويل ذلك الممكن الى فعل ملموس، ولابد انه سيصبو الى ذلك الهدف بأعماله وحركاته كافة.
فدونكم الوسيلة: