الفطرية ومن اعماق رغبتها الملحة، مع انه يستجيب دعاء معدة صغيرة، تسأله بلسان حالها، فيخلق لها أنواعا من الاطعمة اللذيذة ويشبع بها رغبتها الجزئية للبقاء المؤقت؟ حاش لله وكلا.. الف الف مرة كلا. إنّ ردّ هذا الدعاء للخلود محال قطعا، لأن عدم استجابته جل وعلا ينافي حكمته الخالدة وعدالته الكاملة ورحمته الواسعة وقدرته المطلقة.
وما دام الانسان عاشقاً للبقاء، فلا بد أن جميع كمالاته وأذواقه تابعة للبقاء ايضاً. ولما كان البقاء صفة خاصة للباقي ذي الجلال، وان اسماءه الحسنى باقية، وان المرايا العاكسة لتجليات تلك الأسماء تنصبغ بصبغتها وتأخذ حكمها، أي تنال نوعا من البقاء، فلابد أن ألزم شيء لهذا الانسان وأجلّ وظيفة له هو شدّ الاواصر وربط العلاقات مع ذلك الباقي ذي الجلال والاعتصام التام بأسمائه الحسنى، لأن ما يُصرف في سبيل الباقي ينال نوعا من البقاء.
هذه الحقيقة تعبّر عنها الجملة الثانية: (ياباقي انت الباقي) فتضمد جراحات الانسان المعنوية الغائرة، كما تطمئن رغبته الملحة للبقاء المودعة في فطرته.
النكتة الثالثة:
يتفاوت في هذه الدنيا تأثير الزمان في فناء الاشياء وزوالها تفاوتاً كبيراً. فمع ان الموجودات مكتنفة بعضها ببعص كالدوائر المتداخلة، إلاّ ان حكمها من حيث الزوال والفناء مختلف جداً.
فكما ان دوائر حركة عقارب الساعة العادة للثواني والدقائق والساعات تختلف في السرعة، رغم تشابهها الظاهري، كذلك الامر في الانسان، حيث ان حكم الزمن متفاوت في دائرة جسمه، ودائرة نفسه، ودائرة قلبه، ودائرة روحه، فبينما ترى حياة الجسم وبقاءه ووجوده محصورة في اليوم الذي يعيش فيه او في ساعته، وينعدم امامه الماضي والمستقبل، اذا بك ترى دائرة حياة قلبه وميدان وجوده يتسع ويستع حتى يضم اياما عدة قبل حاضره واياما بعده، بل ان