وثلاثين سنة(1) – أن رجلاً قد قضى لعناد سبعين يوماً في سجن لندن دون ان يذوق شيئاً وظل على صحة وعافية.
فما دام الرزق الفطري يدوم اربعين يوماً بل سبعين وثمانين يوماً، وان تجلي اسم الرزاق ظاهر على مدّ البسيطة بجلاء، وان الرزق يتدفق من حيث لا يحتسب من الاثداء ويخرج من الاكمام. فلابد ان ذلك الاسم يمدّ الكائن ويسعفه ويحول بينه وبين الموت جوعاً قبل انتهاء الرزق الفطري، مالم يتدخل البشر المتلبس بالشر بسوء عمله.
ولهذا فالذين يموتون جوعاً قبل اربعين يوماً، لا يموتون بسبب عدم الرزق قطعاً، بل من عادة ناشئة من سوء الاختيار ومن مرض ناشيء من ترك العادة، اذ: (ترك العادات من المهلكات) قاعدة مطردة.
فيصح القول اذاً: انه لا موت من الجوع.
نعم! انه مشاهد امام الانظار: ان الرزق يتناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار، فمثلاً. ان الطفل قبل ان يولد، وليس له من الاختيار والاقتدار شيء، ساكن في رحم الام، يسيل اليه رزقه دون ان يحتاج حتى الى حركة شفتيه. وحينما يفتح عينيه للدنيا، ولا يملك اقتداراً ولا اختياراً، الاّ شيء من القابليات، وحسّ كامن فيه، فانه لا يحتاج الاّ الى حركة إلصاق فمه بالثدي فحسب، واذا بمنابع الثدي تتدفق برزق هو اكمل غذاء واسهله هضماً، وبألطف صورة واعجب فطرة. ثم كلما نما لديه الاقتدار والاختيار احتجب عنه ذلك الرزق الميسور الجميل شيئاً فشيئاً، حتى ينقطع النبع ويغور، فيرسل اليه رزقه من اماكن اخرى. ولكن لأن اقتداره واختياره ليسا على استعداد بعدُ لتتبع الرزق، فان الرزق الكريم يجعل شفقة والديه ورحمتهما ممدةً لاختياره ومسعفة لاقتداره. ثم لما يتكامل الاقتدار والاختيار، فلا
------------------
(1) المقصود سنة 1920. – المترجم.