يعدو الرزق نحوه، ولا يساق اليه، بل يسكن قائلاً: تعال اطلبني، فتش عني وخذني.
فالرزق اذاً متناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار، بل ان حيوانات لا اقتدار لها ولا اختيار تعيش افضل واحسن من غيرها كما اوضحنا ذلك في رسائل عدة.
النقطة الثانية:
للامكان انواع واقسام هي: الامكان العقلي والامكان العرفي والامكان العادي. فان لم تكن الحادثة الواقعة ضمن الامكان العقلي، فانها تردّ وترفض. وان لم تكن ضمن الامكان العرفي ايضاً فإنها تكون معجزة، ولا تكون كرامةً بيسر. وان لم تكن لها نظير عُرفاً وقاعدةً فلا تقبل إلاّ ببرهان قاطع بدرجة الشهود.
فبناءً على هذا، فان الاحوال الخارقة للعادة المروية عن السيد احمد البدوي (قدس سره)(1) الذي لم يذق طعاماً طوال اربعين يوماً، انما هي ضمن دائرة الامكان العرفي، وتكون كرامة له، بل ربما هي عادة خارقة له.
نعم! ان روايات متواترة تنقل عن السيد احمد البدوي )قدس سره) أنه اثناء استغراقه الروحاني كان يأكل كل اربعين يوماً مرة واحدة. فالحادثة وقعت فعلاً، ولكن ليست دائماً، وانما حدثت بعض الاحيان
----------------
(1) السيد البدوي : 596-675هـ/1200-1276م احمد بن علي بن ابراهيم الحسيني، أبو العباس البدوي. المتصوف، صاحب الشهرة في الديار المصرية. أصله من المغرب، ولد بفاس، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة، ودخل مصر في ايام الملك الظاهر بيبرس، فخرج لاستقباله هو وعسكره، وانزله في دار ضيافته، وزار سورية والعراق سنة 634ه وعظم شأنه في بلاد مصر فانتسب الى طريقته جمهور كبير بينهم الملك الظاهر. وتوفي ودفن في طنطا حيث تقام في كل سنة سوق عظيمة يفد إليها الناس من جميع انحاء القطر المصري احتفاءاً بمولده، لم يذكر له مترجموه تصنيفاً غير (حزب – مخطوط – ) و (وصايا) و (صلوات). وقد افرد بعضهم سيرته في كتب، منها كتاب (السيد البدوي) لمحمد فهمي عبداللطيف. (الاعلام للزركلي 1/175). – المترجم.