وهكذا من اجل هذه الحكَم والاسرار، كرر القرآن الكريم الترغيب والترهيب واعادهما ليزجر المؤمن ويجنبه الذنوب والآثام ويحثه على الخير والصلاح.
ولقد جال في ذهني يوماً سؤالٌ حول هذا التكرار في التوجيه والارشاد القرآني وهو: ألا تكون هذه التنبيهات المستمرة مدعاة لجرح شعور المؤمنين في ثباتهم وأصالتهم واظهارهم في موقف لا يليق بكرامة الانسان؟. لأن تكرار الامر الواحد على الموظف من آمره يجعله في موقف يظن كأنه متّهم في اخلاصه وولائه! بينما القرآن الكريم يكرر أوامره باصرار على المؤمنين المخلصين.
وحينما كان هذا السؤال يعصر ذهني كان معي جمعٌ من الاصدقاء المخلصين فكنت أذكرهم وانبههم باستمرار كي لا تغرّهم دسائس شياطين الانس، فلم أرَ امتعاضاً أو اعتراضاً منهم قط، ولم يقل أحدٌ منهم: إنك تتهمنا في اخلاصنا. ولكني كنت اخاطب نفسي وأقول: أخشى انني قد أسخطتهم بتوجيهاتي المتكرر لهم وكأني أتهمتهم في وفائهم وثباتهم! وبينما أنا في هذه الحالة انكشفت الحقائق المثبتة والموضحة في الاشارات السابقة، فعلمت ان اسلوب القرآن الحكيم في تكرار التنبيه مطابق لمقتضى الحال، وضروري جداً، وليس فيه أية مبالغة ولا إسراف قط، ولا اتهام للمخاطبين ، حاش لله، بل هو حكمةٌ خالصة، وبلاغة محضة. وعلمت كذلك لِمَ لمْ يمتعض ويتكدّر اولئك الاصدقاء الاعزاء من ترديدي النصح لهم؟
وخلاصة تلك الحقيقة هي:
ان الفعل الجزئي القليل الذي يصدر عن الشياطين يكون سبباً لحصول شرور كثيرة، لأنه تخريب وهدم، لذا كان لابد لاولئك الذين يسلكون طريق الحق والهداية أن يجنبوا ويُنَبهوا كثيراً. ويأخذوا حذرهم ويمدّلهم يدُ العون دائماً لكثرة حاجتهم اليها. لهذا يقدّم الله سبحانه وتعالى في ذلك التكرار عوناً وتأييداً بعدد ألف اسم من اسمائه الحسنى، ويمدّهم بآلاف من ايادي الرحمة والشفقة لاسنادهم