اللمعات | اللمعة الثالثة عشرة | 136
(119-150)

وجعل يقابل كلٌ منها الآخرَ، واعطى كلاً منها صفةَ التدافع والتجاوز، فأوجد بذلك مبارزةً حكيمة ذات منافع، بما أوجد من الاختلافات والتغيّرات الناشئة من تجاوز تلك الأضداد حدود بعضها البعض الآخر. فاقتضت حكمته سبحانه أن يسير هذا الكون ضمن دستور السموّ والكمال وحسب قانون التغيّر والتحول؛ لذا جعل الانسان وهو الثمرة الجامعة لشجرة الخليقة يَتبَعِ ذلك القانون، أي قانون التدافع والمبارزة، اتباعاً شديد الغرابة حيث فَتح أمامه بابَ (المجاهدة) التي يدور عليها رقيّ جميع الكمالات الانسانية وتكاملها. فمن أجل هذا فقد اعطي سبحانه وتعالى حزب الشيطان شيئاً من الاجهزة والوسائل ليتمكن من مواجهة حزب الله ويقابله في ميدان المعركة. وهذا هو السبب، في تمكن اهل الضلالة وهم في اشد الضعف والوهن والعجز، من مقاومة أهل الحق الأقوياء معنوياً الذين يتقدمهم الانبياء عليهم السلام والتغليب عليهم تغلباً مؤقتاً.
أما سّر الحكمة في هذه المقاومة الغريبة فهي: ان في الضلالة والكفر عَدَماً وتركاً، وهو سهلٌ لا يحتاج الى دفعِ ولا الى تحريك.. وفيها تخريبٌ كذلك، وهو سهلٌ وهيّن ايضاً، اذ تكفيه حركة قليلة.. وفيها تجاوزٌ وتعدٍ، فعمل قليل ويسير منه يؤدي الى ضرر بالكثيرين فيوهم الآخرين أنهم على شيء فيستخفّون بهم ويستعلون عليهم بإرهابهم وفرعونيتهم.. ثم ان في الانسان حواس مادية وقوى نباتية وحيوانية لا ترى العاقبة ولا تفكر فيها وهي مفتونة بالتذوق الآني والتلذذ الحاضر. فتلذذ هذه القوى، واشباع نهمها وانطلاقها من عقالها وتحررها يجعل اللطائف الانسانية كالعقل والقلب تعْدِل عن وظائفها الاساس التي هي المشاعر الانسانية السامية الساعية للعقبى.
أما طريق أهل الهداية والمسلك السامي للانبياء (عليهم السلام) وفي المقدمة حبيب ربّ العالمين، الرسول الاكرم y فهي: وجودية وايجابيةٌ وتعمير، كما أنها حركة واستقامة على الطريق والحدود، وهي تفكر بالعقبى، وعبودية خالصة لله، كما أنها سحقٌ لفرعونية

لايوجد صوت