اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 198
(193-236)

ايتها الروح الخبيثة التي تنشر الكفر وتبث الجحود! تُرى هل يمكن ان يسعد انسانٌ بمجرد تملكه ثروة طائلة، وترفله في زينة ظاهرة خادعة، وهو المصاب في روحه وفي وجدانه وفي عقله وفي قلبه بمصائب هائلة؟ وهل يمكن ان نطلق عليه أنه سعيد؟! ألا ترين أنّ من يِئس من امرٍ جزئي، وانقطع رجاؤه من أملٍ وهمي، وخاب ظنه من عملٍ تافه، كيف يتحول خياله العذبُ مُراً علقماً، وكيف يتعذّب مما حوله من اوضاع لطيفة، فتضيق عليه الدنيا كالسجن بما رحُبت!. فكيف بمن أُصيب بشؤمك بضربات الضلالة في اعمق اعماق قلبه، وفي أغوار روحه، حتى انقطعت – بتلك الضلالة – جميعُ آماله، فانشقت عنها جميعُ آلامه، فايُّ سعادةٍ يمكنك ان تضمَني لمثل هذا المسكين الشَقي؟ وهل يمكن ان يُطلَق لمن روحه وقلبُه يُعذبان في جهنم، وجسمه فقط في جنةٍ كاذبة زائلة.. أنه سعيد؟..
لقد أفسدتِ – ايتها الروح الخبيثة – البشريةَ حتى طاشت بتعاليمك، فتقاسي منك العذاب المريَر، باذاقتك اِياها عذابَ الجحيم في نعيم جنة كاذبة.
ايتها النفس الامارة للبشرية! تأملي في هذا المثال وافهمي منه الى اين تسوقين البشرية:
هب أن امامنا طريقين، فسلكنا احدهما، واذا بنا نرى في كل خطوة نخطوها في الطريق الاول، مساكين عَجَزة يهجم عليهم الظالمون، يغصبون اموالهم ومتاعهم، يخرّبون بيوتهم واكواخهم، بل قد يجرحونهم جرحاً بليغاً تكاد السماء تبكي على حالتهم المفجعة، فاينما يمد النظر تُرى الحالة نفسها فلا يُسمع في هذا الطريق الاّ ضوضاء الظالمين وصَخبَهم، وأنينُ المظلومين ونُواحهم، فكأن مأتماً عاماً قد خيم على الطريق.
ولما كان الانسان – بمقتضى انسانيته – يتألم بألم الآخرين، فلا يستطيع ان يتحمل ما يراه في هذا الطريق من ألم غير محدود، اذ

لايوجد صوت