اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 201
(193-236)

للانسان، ثم تحسبين هذا القانون والسنة الإلهية وتلك التجليات الكريمة الرحيمة المنبعثة من ذلك التعاون العام جدالاً وخصاماً وصراعاً، حتى حكمتِ ببلاهة ان الحياة جدال وصراع!
فيا سبحان الله!! كيف يكون امدادُ ذرات الطعام امداداً بكمال الشوق لتغذية خلايا الجسم جدالاً وخصاماً؟ بل مَا هو الاّ سنة التعاون، ولا يتم الاّ بأمر ربّ حكيم كريم!
وان ما تستندين اليه من (أن كل شيء مالك لنفسه) واضح البطلان. وأوضح دليل عليه هو ان اشرف الاسباب واوسعها ارادة واختياراً هو الانسان. والحال ليس في يد اختياره ولا في دائرة اقتداره من أظهر افعاله الاختيارية كالاكل والكلام والتفكر، الاّ جزءٌ واحد مُبهَمٌ من بين المائة. فالذي لا يملك واحداً من المائة من مثل هذا الفعل الظاهر، كيف يكون مالكاً لنفسه؟! واذا كان الاشرف والاوسع اختياراً مغلولَ الايدي عن التملك الحقيقي والتصرف التام فكيف بسائر الحيوانات والجمادات؟ أليس الذي يطلق هذا الحكم (بأن الحيوان مالك لزمام نفسه) أضلُّ من الانعام وأفقدُ للشعور من الجمادات؟
فيا اوروبا! ما ورطكِ في هذا الخطأ المشين الاّ دهاءك الأعور، أي ذكاؤك المنحوس الخارق، فلقد نسيت بذكائك هذا ربَّ كل شيء وخالقه، اذ أسندتِ آثاره البديعة الى الاسباب والطبيعة الموهومة! وقسمتِ مُلك ذلك الخالق الكريم على الطواغيت التي تُعبَد من دون الله .. فانطلاقاً من هذه الزاوية التي ينظر منها دهاؤك الاعور يضطر كلُّ ذي حياة وكل انسان يصارع وحده ما لا يعد من الاعداء، ويحصل بنفسه على ما لا يحد من الحاجات، بما يملك من اقتدارٍ كذرة، واختيارٍ كشعرة، وشعورٍ كلمعة تزول، وحياة كشعلة تنطفي، وعمرٍ كدقيقة تنقضي، مع أنه لا يكفي كلُ ما في يده لواحدٍ من مطالبه. فعندما يصاب – مثلاٍ – بمصيبة لا يرجو الدواء لدائه الاّ من اسباب صم، حتى يكون مصداق الآية الكريمة: ﴿وما دُعاءُ الكافرين إلاّ في

لايوجد صوت