اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 202
(193-236)

ضلالٍ﴾(الرعد:14). ان دهاءك المظلم قد قَلب نهارَ البشرية ليلاً، ذلك الليل البهيم بالجور والمظالم، ثم تريدين ان تنوري ذلك الظلام المخيف بمصابيح كاذبة مؤقتة!.. هذه المصابيح لا تبتسم لوجه الانسان، بل تستهزى به، وتستخف من ضحكاته التي يطلقها ببلاهة وهو متمرغ في اوحال اوضاع مؤلمة مُبكية! فكل ذي حياة في نظر تلاميذك، مسكينٌ مبتلىً بمصائب ناجمة من هجوم الظلمة. والدنيا مأتم عمومي، والاصوات التي تنطلق منها نعيات الموت، وأناتُ الآلام، ونياحات اليتامى.
ان الذي يتلقى الدرس منك ويسترشد بهدْيك يصبح (فرعوناً) طاغية.. ولكنه فرعون ذليل، إذ يعبد أخس الاشياء، ويتخذ كل شيء ينتفع منه رباً له.
وتلميذك هذا (متمردٌ) ايضاً.. ولكنه متمرد مسكين، إذ لأجل لذةٍ تافهة يقبل قدَمَ الشيطان، ولأجل منفعة خسيسة يرضى بمنتهى الذل والهوان.
وهو (جبار) ولكنه جبار عاجز في ذاته لأنه لا يجد مرتكزاً في قلبه يأوي اليه.
ان غاية ما يصبو اليه تلميذك وذروة همته: تطمينُ رغبات النفس واشباعُ هواها، حتى انه دسّاس يبحث تحت ستار الحمية والتضحية والفداء عن منافعه الذاتية، فيطمئن بدسيسته وخبثه حرصَه ويُشبع نَهمَ غروره، إذ لا يحب حقاً الاّ نفسه، بل يضحي بكل شيء في سبيلها.
اما التلميذ المخلص الخالص للقرآن الكريم فهو (عبدٌ) ولكنه لا يتنزل لعبادةِ اعظم مخلوق، فهو (عبدٌ عزيزٌ) لا يرضى حتى بالجنة، تلك النعمة العظمى غاية لعبوديته لله.
وهو (لين هين) ولكنه لا يتذلل لغير فاطره الجليل، ولغير أمره وإذنه، فهو صاحب همة عليا وعزيمة صادقة.

لايوجد صوت