فما دامت الحياة الدنيا والعيش المادي والحياة الحيوانية هكذا، فانسلْ اذن من الحيوانية، ودع المادية، وادخل مدارج حياة القلب.. تجد ميدان حياةٍ أرحب، وعالم نورٍ اوسع مما كنت تتوهمه من تلك الدنيا الواسعة.
وما مفتاح ذلك العالم الأرحب الاّ معرفةُ الله، وانطاقُ اللسان وتحريك القلب، وتشغيل الروح بما تفيده الكلمة المقدسة (لا إله الاّ الله) من معانٍ واسرار.
المذكرة الخامسة عشرة
وهي ثلاث مسائل:
المسألة الاولى(1):
يامَن يريد ان يرى دليلاً على حقيقة الآيتين الكريمتين: ﴿فمَن يعمل مثقالَ ذرةٍ خيراً يَره ومَن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يَره﴾(الزلزال:7-8) اللتين تشيران الى التجلي الأتم لاسم الله (الحفيظ).
ان التجلي الاعظم لاسم الله الحفيظ ونظير الحقيقة الكبرى لهاتين الآيتين مبثوثٌ في الارجاء كافة، يمكنك أن تجده بالنظر والتأمل في صحائف كتاب الكائنات، وذلك الكتاب المكتوب على مسطر الكتاب المبين وعلى موازينه ومقاييسه.
خذ – مثلاً – غُرفةً بقبضتك من اشتات بذور الازهار والاشجار، تلك البذيرات المختلطة والحبتّات المختلفة الاجناس والانواع وهي المتشابهة في الاشكال والاجرام، أدفن هذه البُذيرات في ظلمات تراب بسيط جامد، ثم اسقها بالماء الذي لاميزان له ولايميز بين الاشياء
----------------
(1) اما المسألة الثانية والثالثة من هذه المذكرة، وكذلك المذكرات الباقية، فلم يدرجها الاستاذ المؤلف ضمن هذه الرسالة بل جعل كلاً منها في رسالة خاصة في (اللمعات) وهي: الاخلاص، والحجاب، والطبيعة، والاشارات الثلاث.. وغيرها. – المترجم.