اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 234
(193-236)

فاينما توجهه يسيل ويذهب. ثم عُدْ اليه عند الربيع الذي هو ميدان الحشر السنوى، وانظر وتأمل كيف ان مَلَك الرعد ينفخُ في صُوره في الربيع كنفخ اسرافيل، مُنادياً المطر ومُبشراً البذيرات المدفونة تحت الارض بالبعث بعد الموت. فانت ترى ان تلك البذيرات التي هي في منتهى الاختلاط والامتزاج مع غاية التشابه تمتثل تحت انوار تجلي اسم (الحفيظ)، إمتثالاً تاماً بلا خطأ الأوامر التكوينية الآتية اليها من بارئها الحكيم. فتلائم اعمالها وتوافق حركاتها مع تلك الاوامر بحيث تستشف منها لمعان كمال الحكمة والعلم والارادة والقصد والشعور.
الا ترى كيف تتمايز تلك البذيرات المتماثلة، ويفترق بعضها عن البعض الآخر. فهذه البُذيرة قد صارت شجرةَ تينٍ تنشر نِعم الفاطر الحكيم فوق رؤوسها وتنثرها عليها وتمدّها الينا بايدي اغصانها. وهاتان البُذيرتان المتشابهتان بها قد صارتا زهرة الشمس وزهرة البنفسج.. وامثالها كثير من الازهار الجميلة التي تتزين لأجلنا وتواجهنا بوجه طليق مبتسم متوددةً الينا.. وهناك بذيراتٌ اخرى قد صارت فواكه طيبة نشتهيها، وسنابل ملأى، واشجاراً يافعة، تثير شهيتنا بطعومها الطيبة، وروائحها الزكية، واشكالها البديعة فتدعونا الى انفسها، وتُفديها الينا، كي تصعد من مرتبة الحياة النباتية الى مرتبة الحياة الحيوانية. حتى نمت تلك البذيرات نمواً واسعاً الى حد صارت تلك الغرفة منها – باذن خالقها – حديقة غناء وجنةً فيحاء مزدهرة بالازهار المتنوعة والاشجار المختلفة، فانظر هل ترى خطأ او فطوراً ﴿فارجع البصر هل ترى من فطور ﴾(الملك:3).
لقد اظهرت كلُ بذرة بتجلي اسم الله الحفيظ واحسانه ما ورثَته من ميراث ابيها واصلها بلا نقصان وبلا التباس.
فالحفيظ الذي يفعل هذا الحفظ المعجز يشير به الى إظهار التجلي الاكبر للحفيظية يوم الحشر الاكبر والقيامة العظمى.
نعم، ان اظهار كمال الحفظ والعناية في مثل هذه الامور الزائلة التافهة بلا قصور، لهو حجةٌ بالغة على محافظة ومحاسبة ما له اهمية

لايوجد صوت