اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 231
(193-236)

ولا ملجأ لك، ولا منقذ الاّ ذلك الذي يحكم على الارض والسماء ويملك أزمة الدنيا والعقبى.
الرمز الثاني:
هناك بعضُ الحمقى يتوجهُ بحبه الى المرآة اذا ما رأى الشمس فيها. وذلك لعدم معرفته الشمس نفسها، فيحافظ على المرآة بحرصٍ شديد لاستبقاء الشمس، ولكيلا تضيع! ولكن اذا تفطن أن الشمس لا تموت بموت المرآة، ولا تفنى بإنكسارها توجه بمحبته كلها الى الشمس التي في السماء. وعندئذٍ يُدرك أن الشمس التي تشاهَد في المرآة ليست تابعة للمرآة، ولا يتوقف بقاؤها ببقاء المرآة، بل ان بقاء حيوية المرآة وتلألأها إنما هو ببقاء تجليات الشمس ومقابلتها. فبقاء المرآة تابعٌ لبقاء الشمس.
فيا ايها الانسان! ان قلبك وهويتك وماهيتَك مرآةٌ، وما في فطرتك من حبّ البقاء ليس لأجلها، بل لأجل ما فيها من تجلٍ لأسم الباقي ذي الجلال، الذي يتجلى فيها حسب استعداد كل انسان. ولكن صُرفَ وجهُ تلك المحبة الى جهة اخرى نتيجة البلاهة. فما دام الأمر هكذا فقل: ياباقي انت الباقي. فاذ انت موجود وباقٍ، فليفعل الفناء بنا ما شاء فلا نبالي بما نلاقي.
الرمز الثالث:
ايها الانسان! إن من غرائب ما أودع الفاطر الحكيم في ماهيتك انه: بينما لا تسعك الدنيا احياناً فتقول: أفّ! أفّ! ضجراً كالمسجون المخنوق، وتبحث عن مكان اوسعَ منه، اذ بك تسعك خردلة من عمل، من خاطرة، من دقيقة، حتى تفنى فيها. فقلبك وفكرُك اللذان لا تسَعهما الدنيا الضخمة، تسَعهما الذرة الصغيرة، فتجول بأشد احاسيسك ومشاعرك في تلك الخاطرة الدقيقة الصغيرة.
وقد اودع الباريء سبحانه في ماهيتك أجهزةً ولطائف معنوية دقيقة، اذا ابتلع بعضها الدنيا فلا يشبع، ويضيق بعضها ذرعاً عن ذرة ولا يتحمل شُعيرة – كالعين التي لا تتحمل شعرة والرأس الذي يتحمل

لايوجد صوت