اللمعات | اللمعة التاسعة عشرة | 239
(237-253)

للحارس لا اكثر، كيلا يختال الحارس وينسى وظيفته ويقحم في القصر كل مخلّ عابث يرشوه قرشاُ اكثر.
وهكذا، بناءً على هذا السرّ، نفترض الآن امامنا لقمتان، لقمة منها من مادة مغذّية – كالجبن والبيض مثلاً – يُقدّر ثمنها بقرش واحد، واللقمة الاخرى حلوى من نوع فاخر يُقدّر ثمنها بعشرة قروش، فهاتان اللقمتان متساويتان قبل دخولهما الفم ولا فرق بينهما، وهما متساويتان كذلك من حيث إنماء الجسم وتغذيته بعد دخولهما الفم ونزولهما عبر البلعوم. بل قد يغذّي الجبن – الذي هو بقرش واحد – تغذية افضل وتنمية أقوى من اللقمة الاخرى اذن ليس هناك من فرق الاّ ملاطفة القوة الذائقة في الفم التي لا تستغرق سوى نصف دقيقة. فليقدر إذن مدى ضرر الاسراف ويوازن مدى التفاهة في صرف عشرة قروش بدلاً عن قرش واحد في سبيل الحصول على لذة تستغرق نصف دقيقة!
وهكذا فان اثابة الحارس تسعة اضعاف ما يُقدّم الى حاكم القصر من هدايا تُفضي به لا محالة الى الغرور والجشع وتدفعه بالتالي الى القول: انما انا الحاكم. فمن كافأه بهبة اكثر ولذة أزيد دفعه الى الداخل، مسبباً إخلال النظام القائم هناك، مضرماً فيه ناراً مستعرة وملزماً صاحبه الاستغاثة صارخاً: هيا اسرعوا اليّ بالطبيب حالاً ليخفف شدة حرارتي ويطفيء لظى نارها.
فالاقتصاد والقناعة منسجمان انسجاماً تاماً مع الحكمة الإلهية، اذ يتعاملان مع القوة الذائقة معاملة الحارس، ويقفانها عند حدّها، ويكافئانها حسب تلك الوظيفة. اما الاسراف فلأنه يسلك سلوكاً مخالفاً لتلك الحكمة، فسرعان ما يتلقى المسرف صفعات موجِعة، اذ تحدث الاختلاطات المؤلمة في المعدة التي تؤدي الى فقدان الشهية الحقيقية نحو الاكل، فيأكل بشهية كاذبة مصطنعة بتنويع الاطعمة مما يسبب عسراً في الهضم.

لايوجد صوت