اللمعات | اللمعة التاسعة عشرة | 240
(237-253)

النكتة الثالثة:
قلنا في النكتة الثانية آنفاً: ان القوة الذائقة تؤدي دور الحارس. نعم، هي كذلك عند الغافلين الذين لم يَسموا بعدُ روحياً والذين لم يتقدموا في مضمار الشكر والعروج في مدارجه، نعم إنه لا ينبغي اللجوء الى الاسراف – كصرف عشرة أضعاف الثمن، لأجل تلذذ تلك الحاسة الحارسة. ولكن القوة الذائقة لدى الشاكرين حقاً ولدى اهل الحقيقة واهل القلوب واولى الابصار بمثابة راصدة وناظرة مفتشة لمطابخ الرحمة الإلهية (كما وضح ذلك في المقارنة المعقودة في الكلمة السادسة). وان ما يتم في تلك القوة الذائقة من عملية تقدير قيمة النعم الاَلهية ومن التعرف عليها بأنواعها المختلفة بما فيها من موازين دقيقة حساسة عديدة بعدد الاطعمة، انما هو لإبلاغ الجسد والمعدة، بما ينم عن شكر معنوي.
فلا تقتصر وظيفة القوة الذائقة على رعاية الجسد رعاية مادية وحدها، بل هي ايضاً أرقى حكماً من وظيفة المعدة وأرفع منزلة منها، لما لها من رعاية للقلب والروح والعقل ومن عناية لكل منها، علماً أنها تستطيع ان تمضي في سبيل الحصول على لذتها – بشرط عدم الاسراف – انجازاً لمهمة الشكر الخالص المقدرة لها، وبنية التعرف والاطلاع على انواع النعم الإلهية بتذوقها والشعور بها بشرط مشروعيتها وعدم كونها وسيلة للتذلل والاستجداء، أي اننا نستطيع ان نستعمل ذلك اللسان الحامل للقوة الذائقة في الشكر لاجل التفضيل بين الاطعمة اللذيذة.
واليكم هذه الحادثة اشارة الى هذه الحقيقة، وهي كرامة من كرامات الشيخ الكيلاني (قُدس سره): كان لعجوز رقيقة لطيفة ابنٌ وحيد يتربى على يد الشيخ، دخلت تلك العجوز الموقرة ذات يوم على ابنها ورأت انه يأكل من كسرة خبز يابس أسمر مزاولاً رياضة روحية حتى ضعف ونحل جسمه. أثارت هذه الحالة شفقة والدته الرؤوم ورقت لحالة فذهبت لتشتكيه الى الشيخ الكيلاني واذا بها ترى

لايوجد صوت