﴿وما من دابة في الارض الاّ على الله رزقها﴾(هود:6) تتعهد بذلك تعهداً قاطعاً.
نعم، ان الرزق قسمان:
القسم الاول: وهو الرزق الحقيقي الذي تتوقف عليه حياة المرء، وهو تحت التعهد الرباني بحكم هذه الآية الكريمة، يستطيع المرء الحصول على ذلك الرزق الضروري مهما كانت الاحوال، ان لم يتدخل سوء اختياره، دون ان يضطر الى فداء دينه ولا التضحية بشرفه وعزته.
القسم الثاني: هو الرزق المجازي، فالذي يسيء استعماله لا يستطيع ان يتخلى عن الحاجات غير الضرورية، التي غدت ضرورية عنده نتيجة الابتلاء التقليد. وثمن الحصول على هذا الرزق باهظ جداً ولاسيماء في هذا الزمان، حيث لا يدخل ضمن التعهد الرباني، اذ قد يتقاضى ذلك المال لقاء تضحيته بعزته سلفاً راضياً بالذل، بل قد يصل به حد السقوط في هاوية الاستجداء المعنوي، والتنازل الى تقبيل اقدام أناس منحطين وضيعين، لا بل قد يحصل على ذلك المال المنحوس الممحوق بالتضحية بمقدساته الدينية التي هي نور حياته الخالدة. ثم ان الألم الذي ينتاب ذوي الوجدان من حيث العاطفة الانسانية – بما برونه من آلام يقاسيها المحتاجون البائسون في هذا الزمان الذي خيم عليه الفقر والحاجة – يشوّب لذاتَهم التي يحصلونها بأموال غير مشروعة، وتزداد مرارتها ان كانت لهم ضمائر. انه ينبغي في هذا الزمان العجيب الاكتفاء بحدّ الضرورة في الاموال المريبة، لانه حسب قاعدة (الضرورة تقدر بقدرها) يمكن ان يؤخذ باضطرارٍ من المال الحرام حدَّ الضرورة وليس اكثر من ذلك. وليس للمضطر ان يأكل من الميتة الى حدّ الشبع، بل له ان يأكل بمقدار ما يحول بينه وبين الموت. وكذا لا يؤكل الطعام بشراهة امام مائة من الجائعين.