ومن العجيب حقاً ان يجرؤ بعض المسرفين والمبذّرون على اتهام المقتصدين بالخسة.. حاشَ لله، بل الاقتصاد هو العزة والكرم بعينه، بينما الخسة والذلة هما حقيقة ما يقوم به المسرفون والمبذرين من سخاء ظاهري.
وهناك حادثة جرت في غرفتي في (اسبارطة) في السنة التي تم فيها تأليف هذه الرسالة، تؤيد هذه الحقيقة وهي:
اصرّ احد طلابي اصراراً شديداً على ان أقبل هديته التي تزن اوقيتين ونصف الاوقية(1) من العسل، خرقاً لدستور حياتي(2)، ومهما حاولت في بيان ضرورة التمسك على قاعدتي لم يقنع، فاضطررت الى قبولها مرغما على نية ان يشترك ثلاثة اخوةٍ معي في الغرفة فيها ويأكلوا منه باقتصاد طوال اربعين يوماً من شهري شعبان ورمضان المبارك، ليكسب صاحبه المهدي ثواباً، ولا يبقوا دون حلاوة. لذا أوصيتهم بقبول الهدية لهم علماً اني كانت عندي أوقية من العسل.
وبرغم ان اصدقائي الثلاثة كانوا على استقامة حقاً وممن يقدّرون الاقتصاد حق قدره، لاّ انهم – على كل حال – نَسوه نتيجة قيامهم باكرام بعضهم بعضاً ومراعاتهم شعور الآخرين والايثار فيما بينهم، وامثالها من الخصال الحميدة، فانفدوا ما عندهم من العسل في ثلاث ليالٍ فقط، فقلت مبتسماً:
- لقد كانت نبتي ان اجعلكم تتذوقون طعم العسل ثلاثين يوماً او اكثر، ولكنكم انفذتموه في ثلاثة ايام فقط.. فهنيئاً لكم!. في حين انني بت اصرف ما كنتُ املكه من العسل بالاقتصاد، فتناولته طوال شهري شعبان ورمضان، فضلاً عن انه اصبح ولله الحمد سبباً لثواب
------------------
(1) الاوقية تساوي 1.280 كيلو. – المترجم.
(2) وهو ان الاستاذ النورسي ما كان ليقبل الهدايا بلا مقابل. – المترجم.