لقد حصلتُ احياناً وحصل اصدقائي على عشرة اضعاف من البركة بسبب الاقتصاد. حتى انه قبل تسع سنوات(2) عندما أصرّ عليّ قسم من رؤساء العشائر المنفيين معي الى (بوردور) على قبول زكاتهم كي يحولوا بيني وبين وقوعي في الذلة والحاجة لقلة ما كانت عندي من النقود، فقلت لاولئك الرؤساء الاثرياء: برغم أن نقودي قليلة جداً الاّ انني املك الاقتصاد، وقد تعودت على القناعة، فانا أغنى منكم بكثير فرفضتُ تكليفهم المتكرر الملح.. ومن الجدير بالملاحظة ان قسماً من اولئك الذين عرضوا عليّ زكاتهم قد غلبهم الذَّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، الاّ أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني – ولله الحمد – ببركة الاقتصاد الى ما بعد سبع سنوات، فلم تُرق مني ماء الوجه، ولم تدفعني لعرض حاجتي الى الناس، ولم تفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو (الاستغناء عن الناس).
نعم ان من لايقتصد، مدعوّ للسقوط في مهاوي الذلّة، ومعرض للانزلاق الى الاستجداء والهوان معنىً.
ان المال الذي يستعمل في الاسراف في زماننا هذا لهو مال غالٍ وباهظ جداً، حيث تدفع احياناً الكرامة والشرف ثمناً ورشوة له، بل قد تُسلب المقدسات الدينية، ثم يُعطى نقوداً منحوسة مشؤومة، أي يقبش بضعة قروش من نقود مادية، على حساب مئات الليرات من النقود المعنوية.
بينما لو اقتصر الانسان على الحاجات الضرورية واختصرها وحصر همه فيها، فسيجد رزقاً يكفل عيشه من حيث لا يحتسب وذلك بمضمون الآية الكريمة:
﴿ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين﴾(الذاريات:58) وأن صراحة الآية الكريمة:
------------------
(2) المقصود سنة 1926م. – المترجم.