اللمعات | اللمعة العشرون | 256
(254-270)

فليس هناك اذن ما يولد منافسة او مزاحمة او حسداً فيما بينهم. وليس هناك ما يوجب المناقشة والجدل، لذا تراهم يتمكنون من الاتفاق مهما سلكوا من طرف الفساد.
أما اهل الدين واصحاب العلم وارباب الطرق الصوفية فان وظيفة كل منهم متوجهة الى الجميع، وأن اجرتهم العاجلة غير متعينة وغير متخصصة، كما ان حظهم من المقام الاجتماعي وتوجه الناس اليهم والرضى عنهم لم يتخصص ايضاً.
فهناك مرشحون كثيرون لمقام واحد، وقد تمتد أيد كثيرة جداً الى اية اجرة – مادية كانت او معنوية – ومن هنا تنشأ المزاحمة والمنافسة والحسد والغيرة. فيتبدل الوفاق نفاقاً والانفاق اختلافاً وتفرقاً.
فلا يشفى هذا المرض العضال الا مرهم الاخلاص الناجع، أي:
ان ينال المرء شرف امتثال الآية الكريمة: ﴿إنْ اَجرِيَ إلاَّ عَلَى الله﴾ (يونس:72) بايثار الحق والهدى على اتباع النفس والهوى، وبترجيح الحق على أثرة النفس.. وان يحصل له امتثال بالآية الكريمة: ﴿وَمَا عَلى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ ﴾(النور:54): باستغنائه عن الاجر المادي والمعنوي – المقبلين من الناس –(1) مدركاً ان

-----------------

(1) لابد من جعل شيمة (الايثار) التي تحلى بها الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم ونالوا بها ثناء القرآن الكريم نصب العين، واتخاذها دليلا ومرشداً، وهذا يعني:
تفضيل الاخرين على النفس عند قبول الهدايا والصدقات، وعدم قبول شيء مقابل ما يقوم به المرء من خدمات في سبيل الدين، بل لا يطلبه قلبا. واذا حصل شيء من هذا القبيل فليعده احساناً الهياً محضاً، من دون البقاء تحت منة الناس. اذ ما ينبغي ان يسأل شيء في الدنيا لقاء خدمات في سبيل الدين، لئلا يضيع الاخلاص. فالامة وان كان عليها ان تضمن معاش هؤلاء، كما انهم يستحقون الزكاة، الا ان هؤلاء العاملين لا يسألون الناس شيئاً وربما يوهب لهم، حتى لو وهب لهم شيء فلا ياخذونه لقيامهم في خدمة الدين فالافضل ايثار من هم اهل لها على النفس، والرضى بما قسم الله من رزق والقناعة به، كي يحظى المرء بالثناء القرآني العظيم﴿ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾ (الحشر:9)، وعندئذ يكون ظافراً بالاخلاص ومنقذا نفسه من شرور هذه التهلكة الخطرة. – المؤلف.

لايوجد صوت