اللمعات | اللمعة العشرون | 257
(254-270)

استحسان الناس كلامه وحسن تأثيره فيهم ونيل توجههم اليه هو مما يتولاه الله سبحانه وتعالى ومن احسانه وفضله وحده، وليس داخلاً ضمن وظيفته التي هي منحصرة في التبليغ فحسب. بل لا يلزمه ذلك ولا هو مكلف به اصلا.
فمن وفقه الله الى ما ذُكر آنفاً يجد لذة الاخلاص، وإلاّ يفوته الخير الكثير.

السبب الثاني:
ان اتفاق اهل الضلالة نابع من ذلتهم، بينما اختلاف اهل الهداية نابع من عزتهم، اذ لما كان اهل الدنيا والضلالة الغافلون لا يستندون الىالحق والحقيقة فهم ضعفاء واذلاء، يشعرون بحاجة ماسة الى اكتساب القوة ويتشبثون بشدة الى معاونة الآخرين والاتفاق معهم، ويحرصون على هذا الاتفاق ولو كان مسلكهم ضلالة، فكأنهم يعملون حقاً في تساندهم على الباطل، ويخلصون في ضلالهم، ويبدون ثباتاً واصراراً على إلحادهم، ويتفقون في نفاقهم، فلاجل هذا يوفقون في عملهم، لان الاخلاص التام ولو كان في الشر لا يذهب سدى، ولا يكون دون نتيجة. فما من سائل يسأل باخلاص امراً الا قضاه الله له(1).
اما اهل الهداية والدين واصحاب العلم والطريقة فلانهم يستندون الى الحق والحقيقة، ولان كلاً منهم اثناء سيره في طريق الحق لا يرجو الا رضى ربه الكريم ويطمئن اليه كل الاطمئنان، وينال عزة معنوية في مسلكه نفسه، اذ حالما يشعر بضعف ينيب الى ربه دون الناس، ويستمد منه وحدة القوة، زد على ذلك يرى امامه اختلاف المشارب مع ما هو عليه، لذا تراه لا يستشعر بدواعي التعاون مع

-----------------

(1) نعم ان (من طلب وَجَدّ وَجَدَ) دستور من دساتير الحقيقة له من السعة والشمول ما يشمل مسلكنا ايضا. – المؤلف.

لايوجد صوت