اللمعات | اللمعة العشرون | 269
(254-270)

ان الاخلاص روح الاعمال الصالحة واساسها، فيتهم سعة الرحمة الإلهية كأنها لا تسعه، ويبدأ بالحسد والمنافسة والمزاحمة منطوياً في قرارة نفسه على نوع من العداء مع اولياء الله الصالحين الصادقين.
وسأذكر هنا حادثة تؤيد هذه الحقيقة: كان احد اصدقائنا السابقين يحمل في قلبه ضغينة وعداء نحو شخص معين. وعندما أُثني على هذا الشخص امامه في مجلس وقيل في حقه: (انه رجل صالح، انه ولي من اولياء الله) رأينا ان هذا الكلام لم يثر فيه شيئاً فلم يبد ضيقاً من الثناء على عدوه. ولكن عندما قال احدهم: (انه قوي وشجاع) رأيناه قد انتفض عرق الحسد والغيرة لديه. فقلنا له: (يا هذا ان مرتبة الولاية والتقوى من اعظم المراتب في الآخرة فلا يقاس عليها شيء آخر، فأين الثرى من الثريا؟!. لقد شاهدنا ان ذكر هذه المرتبة لم يحرك فيك ساكنا بينما ذكر القوة العضلية التي تملكها حتى الثيران والشجاعة التي تملكها السباع قد اثارتا فيك نوازع الحسد). اجاب: (لقد استهدفنا كلانا هدفاً ومقاماً معيناً في هذه الدنيا، فالقوة والشجاعة وامثالهما هي من وسائل الوصول الى ما استهدفناه من مرتبة دنيوية، فلاجل هذا شعرت بدواعي المنافسة والحسد. اما منازل الآخرة ومراتبها فلا تحد بحدود، وربما يصبح هناك من كان عدواً لي احب صديق واعزه.
فيا اهل الحقيقة والطريقة! ان خدمة الحق ليس شيئاً هيناً، بل هو اشبه ما يكون بحمل كنز عظيم ثقيل والقيام بالمحافظة عليه، فالذين يحملون ذلك الكنز على اكتافهم يستبشرون بأيدي الاقوياء الممتدة اليهم بالعون والمساعدة ويفرحون بها اكثر. فالواجب يحتم ان يُستقبل اولئك المقبلون بمحبة خالصة، وان يُنظر الى قوتهم وتأثيرهم ومعاونتهم اكثر من ذواتهم وان يتلقوا بالافتخار اللائق بهم، فهم اخوة حقيقيون ومؤازرون مضحون. ولئن كان الواجب يحتم هذا، فلِمَ اذن ينظر اليهم نظر الحسد ناهيك عن المنافسة والغيرة، حتى يفسد الاخلاص نتيجة هذه الحالة، وتكون اعمالكم ومهمتكم موضع تهم الضالين. فيضعونكم في مستوى اقل منكم واوطأ من مسلككم بكثير،

لايوجد صوت