والحسد.. ولما كانت الدنيا ضيقة ومؤقتة ولا تشبع رغبات الانسان ومطاليبه الكثيرة، وحيث ان هناك الكثيرون يتهالكون على شيء واحد، فالنتيجة اذن السقوط في هاوية الحسد والمنافسة. اما في الآخرة الفسيحة فلكل مؤمن جنة عرضها السموات والارض تمتد الى مسافة خمسمائة سنة(1)، ولكل منهم سبعون الفاً من الحور والقصور، فلا موجب هناك اذن الى الحسد والمنافسة قط، فيدلنا هذا على انه لاحسد ولا مشاحنة في اعمال صالحة تفضي الى الآخرة، أي لامجال للمنافسة والتحاسد فيها، فمن تحاسد فهو لاشك مراء أي انه يتحرى مغانم دنيوية تحت ستار الدين ويبحث عن منافع باسم العمل الصالح. او انه جاهل صادق لا يعلم اين وجهة الاعمال الصالحة ولم يدرك بعد
----------------
(1) سؤال مهم وارد من جانب عظيم الاهمية: كيف تستوعب عقولنا الدنيوية القاصرة حقيقة ماروي ان المؤمن يمنح جنة عرضها خمسمائة سنة؟
الجواب: كما ان لكل شخص في هذه الدنيا دنيا مؤقتة خاصة به، قوامها حياته يستمتع منها بما يشاء بحواسه الظاهرة والباطنة، حتى يمكنه ان يقول: الشمس مصباح لي والنجوم قناديل لي، فلا ينازعه في ملكيته هذه وجود سائر المخلوقات وذوي الارواح، بل يعمرون دنياه الخاصة ويجملونها.
كذلك الامر في الجنة – مع فارق عظيم – فلكل مؤمن – فضلا عن روضته الخاصة التي تضم الوف القصور والحور العين – له جنة خاصة بسعة خمسمائة سنة من الجنة العامة، يستمتع بها المؤمن استمتاعاً يليق بالجنة والخلود بما تنكشف له من حواسه وتنبسط من مشاعره حسب درجة كل مؤمن، فلا ينقص وجود الاخرين معه ومشاركتهم له شيئاً من تنعمه وتلذذه وتملكه بل يعمرون جنته الخاصة وجنته الواسعة ويزينونها. نعم، فكما يتمتع الانسان في الدنيا بفمه واذنه وعينه واذواقه الاخرى ومشاعره وحواسه كلها في مسافة ساعة يقضيها في حديقة، او في مسافة يوم يمضيه في سياحة، او في مسيرة شهر كامل في مملكة، او في سنة من عمره يستجم بها في رحلة وسفرة.. كذلك الامر هناك في الجنة ولكن تتمتع حاسة الذوق والشم في تلك المملكة الخالدة في مسافة سنة كاملة ما كانت تتمتع به في هذه الحياة الفانية في ساعة من حديقة غناء، وتتمتع حاسة الابصار والسمع في تلك المملكة الابدية الزاهية من اقصاها الى اقصاها ضمن رحلة امدها خمسمائة سنة تمتعاً يلائم خلودها ما تتمتع به من سياحة وتجوال ورحلات يمضيها الانسان في سنة في هذه الدنيا. فلكل مؤمن حسب درجته وحسب ما يناله من ثواب على اعماله التي قام بها في الدنيا وحسب نسبة ونوعية حسناته تنكشف مشاعره وتنبسط حواسه، فتستمتع تلك المشاعر والحواس هناك في الجنة بما يلائم خلودها. – المؤلف.