في صفوفها بتضحية وفداء وبشعور نابع من عجز كامل وضعف تام، وذلك مع نكران الذات والنجاة من الرياء ابتغاء الوصول الى نيل شرف الاخلاص.
السبب السادس:
ان اختلاف اهل الحق ليس ناشئاً من فقدان الشهامة والرجولة ولا من انحطاط الهمة وانعدام الحمية، كما ان الاتفاق الجاد بين الغافلين الضالين الذين يبغون الدنيا في امورهم ليس ناشئاً من الشهامة والرجولة ولا من الحمية وعلو الهمة. بل ان اهل الحق وجهوا نظرهم الى ثواب الآخرة – على الاكثر – فتوزع مالديهم من حمية وهمة وشهامة الى تلك المسائل المهمة والكثيرة، ونظراً لكونهم لايصرفون اكثر وقتهم – الذي هو رأس مالهم الحقيقي – الى مسألة معينة واحدة، فلا ينعقد اتفاقهم عقداً محكماً مع السالكين في نهج الحق، حيث ان المسائل كثيرة والميدان واسع جداً.
اما الدنيويون الغافلون، فلكونهم يحصرون نظرهم حصراً في الحياة الدنيا – فهي اكبر همهم ومبلغ علمهم – تراهم يرتبطون معها بأوثق رباط وبكل مالديهم من مشاعر وروح وقلب. فأيما شخص يمد لهم يد المساعدة يستمسكون بها بقوة، فهم يحصرون وقتهم الثمين جداً في قضايا دنيوية لا تساوي شيئاً في الحقيقة لدى اهل الحق. مثلهم في هذا كمثل ذلك الصائغ اليهودي المجنون الذي اشترى قطعاً زجاجية تافهة بأثمان الاحجار الكريمة الباهظة. فابتياع الشيء بأثمان باهظة، وصرف المشاعر كلها نحوه يؤدي حتماً الى النجاح والتوفيق ولو كان في طريق باطل، لان فيه اخلاصاً جاداً. ومن هنا يتغلب اهل الباطل على اهل الحق، فيفقد اهل الحق الاخلاص ويسقطون في مهاوي الذل والتصنع والرياء، ويضطرون الى التملق والتزلف الى ارباب الدنيا المحرومين من كل معاني الشهامة والهمة والغيرة.
فيا اهل الحق! ويا اهل الشريعة والحقيقة والطريقة! ويا من تنشدون الحق لاجل الحق! أسعوا في دفع هذا المرض الرهيب،