الضلالة ليس كائناً من القلق على المصير ولا من سمو نظرهم وعمق رؤيتهم. بل ان عجز اهل الهداية عن الثبات على الاستقامة في السير، وتقصيرهم عن الاخلاص في العمل يحرمهم من التمتع بمزايا ذلك المستوى الرفيع، فيسقطون في هوة الاختلاف رغم كونهم يسترشدون بالعقل والقلب البصيرين للعاقبة ويستفيضون من الحق والحقيقة ولا يميلون مع شهوات النفس بمقتضى أحاسيسهم الكليلة عن رؤية العقبى.
اما اهل الضلالة فباغراء النفس والهوى وبمقتضى المشاعر الشهوية والاحاسيس النفسانية الكليلة عن رؤية العقبى والتي تفضل درهما من لذة عاجلة على ارطال من الآجلة، تراهم يتفقون فيما بينهم اتفاقاً جاداً ويجتمعون حول الحصول على منفعة عاجلة ولذة حاضرة.
نعم، ان عبيد النفس السفلة من ذوي القلوب الميتة والهائمين على الشهوات الدنيئة يتحدون ويتفقون فيما بينهم على منافع دنيوية عاجلة.. بينما ينبغي لأهل الهداية الاتفاق الجاد والاتحاد الكامل والتضحية المثمرة والاستقامة الرصينة فيما بينهم، حيث انهم يتوجهون بنور العقل وضياء القلب الى جني كمالات ثمرات اخروية خالدة آجلة، ولكن لعدم تجرّدهم من الغرور والكبر والافراط والتفريط يضيعون منبعاً عظيماً ثراً يمدهم بالقوة، ألا هو الاتفاق. فيضيع بدوره الاخلاص ويتحطم، وتتضعضع الاعمال الاخروية وتذهب سدى، ويصعب الوصول الى نيل رضى الله سبحانه.
وعلاج هذا المرض الوبيل ودواؤه هو:
الافتخار بصحبة السالكين في منهج الحق، وربط عرى المحبة معهم تطبيقاً للحديث الشريف: (الحب في الله)(1) ثم السير من خلفهم وترك شرف الامانة لهم وترك الاعجاب بالنفس والغرور، بناء على احتمال كون سالك الحق اياً كان هو خيراً منه وافضل، وذلك ليسهل
----------------
(1) (والحب في الله والبغض في الله من الإيمان). رواه البخاري – كتاب الإيمان.