السبب السابع:
ان اختلاف اهل الحق والحقيقة ومنافستهم ليس ناشئاً من الغيرة فيما بينهم ولا من الحرص على حطام الدنيا، كما ان اتفاق الدنيويين الغافلين ليس من كرامتهم وشهامتهم. بل ان اهل الحقيقة لم يتمكنوا من الحفاظ على الفضائل والمكارم التي يحصلون عليها من تمسكهم بالحقيقة ولم يستطيعون البقاء والثبات ضمن منافسة شريفة نزيهة في سبيل الحق بتسلل القاصرين منهم في هذا الميدان؛ لذا فقد اساءوا – بعض الاساءة – الى تلك الصفات المحمودة، وسقطوا في الاختلاف والخلاف نتيجة التحاسد فأضروا انفسهم وجماعة المسلمين أيما ضرر.
اما الصالون والغافلون فنظراً لفقدانهم المروءة والحمية لعجزهم ولذلتهم فقد مدوا ايديهم واتحدوا اتحاداً صادقاً مع اناس اياً كانوا، بل مع الدنيئين الوضيعين من الناس كيلا تفوتهم منافع يلهثون وراءها، ولا يُسخطوا اصدقاءهم ورؤساءهم الذين يأتمرون بأوامرهم الى حد العبادة لاجلها، لذا اتفقوا مع من يشاركهم في الامر اتفاقاً جاداً واجتمعوا مع من يجتمع حول تلك المنافع بأي شكل من اشكال الاجتماع، فبلغوا الى ما يصبون اليه من جراء هذا الجد والحزم في الامر.
فيا اهل الحق واصحاب الحقيقة ويا من ابتليتهم ببلوى الاختلاف! لقد ضيعتم الاخلاص في هذا الظرف العصيب ولم تجعلوا رضى الله غاية مسعاكم فمهدتم السبل لاسقاط اهل الحق مغلوبين على امرهم، وجرعتموهم مرارة الذل والهوان.
اعلموا انه ما ينبغي ان يكون حسد ولا منافسة ولاغيرة في امور الدين والآخرة، فليس فيها في نظر الحقيقة امثال هذه الامور. ذلك لان منشأ الحسد والمنافسة انما هو من تطاول الايدي الكثيرة على شيء واحد وحصر الانظار الى مقام واحد وشهية المعدات الكثيرة الى طعام واحد، فتؤول المناقشة والمسابقة والمزاحمة الى الغبطة