الثانية: العبادة السلبية التي يتضرع فيها المصاب ملتجأ الى خالقه الرحيم مستجيراً به متوسلاً اليه، منطلقاً من احاسيسه التي تُشعره بعجزه وضعفه امام تلك الامراض والمصائب. فينال بذلك التضرع عبادةً معنوية خالصة متجردة من كل انواع الرياء.
نعم، هناك روايات صحيحة على ان العمر الممزوج بالمرض والسقم يعدّ للمؤمن عبادة(1) على شرط عدم الشكوى من الله سبحانه. بل هو ثابت بعدة روايات صحيحة وكشفيات صادقة كون دقيقة واحدة من مرض قسم من الشاكرين الصابرين هي بحكم ساعة عبادة كاملة لهم، وكون دقيقة منه لقسم من الكاملين هي بمثابة يوم عبادة كاملة لهم. فلا تشكُ – يا اخي – من مرض يجعل من دقيقة عصيبة عليك الف دقيقة ويمدك بعمر طويل مديد! بل كن شاكراً له.
الدواء الثالث
ايها المريض الذي لا يطيق! ان الانسان لم يأت الى هذه الدنيا للتمتع والتلذذ. والشاهد على ذلك: رحيل كل آت، وتشيب الشباب، وتدحرج الجميع في دوّامة الزوال والفراق. وبينا ترى الانسان اكمل الاحياء واسماها واغناها اجهزة بل هو السيد عليها جميعاً، اذا به بالتفكر في لذات الماضي وبلايا المستقبل، يقضي حياته في كدر ومشقة هاوياً بنفسه الى دركات ادنى من الحيوان.
فالانسان اذاً لم يأت الى هذه الدنيا لقضاء عيش ناعم جميل مغمور بنسمات الراحة والصفاء، بل جاء الى هنا ليغنم سعادة حياةٍ ابدية دائمة بما يُسر له من سبل التجارة برأس ماله العظيم الذي هو العمر. فاذا انعدم المرضُ، وقع الانسان في الغفلة نتيجة الصحة والعافية، وبدت الدنيا في عينيه حلوة خضرة لذيذة، فيصيبه عندئذ مرضُ نسيان
--------------
(1) قال رسول الله y : (اذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله عزّ وجل: اكتب له صالح عمله، فإن شفاه غسله وطهره، وان قبضه غفر له ورحمه) حديث حسن: رواه احمد (صحيح الجامع الصغير وزيادته 256) الارواء 553.