اللمعات | اللمعة الخامسة والعشرون | 358
(355-383)

الآخرة، فيرغب عن ذكر الموت والقبر، ويهدر رأس مال عمره الثمين هباءً منثورا.. في حين ان المرض سرعان ما يوقظه مفتحاً عينيه، قائلاً له: (انت لست خالداً ولست سائباً، بل انت مسخر لوظيفة، دع عنك الغرور، اذكر خالقك.. واعلم بانك ماض الى القبر، وهيىء نفسك وجهزها هكذا).
فالمرض اذاً يقوم بدور مرشد ناصح امين موقظ، فلا داعي بعدُ الى الشكوى منه، بل يجب التفيؤ في ظلال الشكر – من هذه الناحية – واذا ما اشتدت وطأته كثيراً فعليك بطلب الصبر منه تعالى.

الدواء الرابع
ايها المريض الشاكي! اعلم انه ليس لك حق في الشكوى، بل عليك الشكر، عليك الصبر؛ لان وجودك واعضاءك واجهزتك ليست بملكك انت، فانت لم تصنعها بنفسك، وانت لم تبتعها من اية شركة او مصنع ابتياعاً، فهي اذن ملكٌ لآخر. ومالك تلك الاشياء يتصرف في ملكه كيف يشاء، كما ورد ذلك في مثال في (الكلمة السادسة والعشرين الخاصة بالقَدَر) وهو:
أن صانعاً ثرياً ماهراً بكلف رجلاً فقيراً لقاء اجرة معينة ليقوم له لمدة ساعة بدور (الموديل) النموذج. فلاجل اظهار صنعته الجميلة وثروته القيمة يُلبسه القميص المزركش الذي حاكه، والحلة القشيبة المرصعة التي نسجها في غاية الجمال والصنعة، وينجز عليه اعمالاً ويظهر اوضاعاً واشكالاً شتى لبيان خوارق صنعته وبدائع مهارته، فيقصّ ويبدل، ويطوّل، ويقصر، وهكذا..
فيا تُرى أيحق لذلك الفقير الاجير ان يقول لذلك الصانع الماهر: (انك تتعبني وترهقني وتضيق عليّ بطلبك مني الانحناء مرة والاعتدال اخرى.. وانك تشوّه الجمال المتألق على هذا القميص الذي

لايوجد صوت