اللمعات | اللمعة الخامسة والعشرون | 363
(355-383)

الدواء الثامن
ايها المريض الذاكر لآخرته! ان مرضك كمفعول الصابون، يطهر ادرانك، ويمسح عنك ذنوبك، وينقيك من خطاياك. فقد ثبت أن الامراض كفارات للذنوب والمعاصي، وورد في الحديث الصحيح:
(ما من مسلم يصيبه اذىً الاّ حاتّ الله خطاياه كما تحاتّ ورق الشجر)(1) والذنوب هي امراض دائمة في الحياة الابدية. وهي في هذه الحياة الدنيا امراضٌ معنوية في القلب والوجدان والروح. فاذا كنت صابراً لا تشكو نجوت بنفسك اذاً بهذا المرض العابر من امراض دائمة كثيرة جداً. واذا كنت لاهياً عن ذنوبك، ناسياً آخرتك غافلاً عن ربك، فاني أؤكد معاناتك من داءٍ خطير، هو أخطر وأفتك واكبر بمليون مرة من هذه الامراض المؤقتة، ففر منه واصرخ.. ! لان قلبك وروحك ونفسك كلها مرتبطة بموجودات الدنيا قاطبة، وان تلك الاواصر تنقطع دوماً بسيوف الفراق والزوال فاتحة فيك جروحاً عميقة، وبخاصة انك تتخيل الموت اعداماً ابدياً لعدم معرفتك بالآخرة. فكأن لك كياناً مريضاً ذا جروح وشروخ بحجم الدنيا، مما يحتم عليك قبل كل شيء ان تبحث عن العلاج التام والشفاء الحقيقي لكيانك المعنوي الكبير الذي تفسخه العلل غير المحدودة والكلوم غير المعدودة، فما اظنك تجدها الاّ في علاج الإيمان وبلسمه الشافي، واعلم ان اقصر طريق لبلوغ ذلك العلاج هو الاطلال من نافذتي (العجز والفقر) اللتين تتفتحان بتمزيق المرض المادي لحجاب الغفلة واللتين جُبلَ الانسان عليهما، وبالتالي تبلغ معرفة قدرة القادر ذي الجلال ورحمته الواسعة.
نعم ان الذي لا يعرف الله يحمل فوق رأسه هموماً وبلايا بسعة الدنيا وما فيها، ولكن الذي عرف ربه تمتلىء دنياه نوراً وسروراً معنوياً، وهو يشعر بذلك بما لديه من قوة الإيمان – كل حسب درجته

--------------

(1) رواه البخاري – كتاب المرضى والطب – المترجم.

لايوجد صوت