فما دامت هذه هي ماهية الموت – من زاوية الحقيقة – فلا ينبغي ان يُنظر اليه كأنه شيء مخيف، بل يجب اعتباره تباشير الرحمة والسعادة. حتى أن قسماً من (اهل الله) لم يكن خوفهم من الموت بسبب وحشة الموت ودهشته، وانما بسبب رغبتهم في كسب المزيد من الخير والحسنات بادامة وظيفة الحياة.
نعم ان الموت لاهل الإيمان باب الرحمة. وهو لاهل الضلالة بئر مظلمة ظلاماً ابدياً.
الدواء العاشر
ايها المريض القلق دون داع للقلق! انت قلقٌ من وطأة المرض وشدته، فقلقك هذا يزيد ثقل المرض عليك. فاذا كنت تريد ان تخفف المرض عنك، فاسع جاهداً للابتعاد عن القلق. أي: تفكر في فوائد المرض، وفي ثوابه، وفي حثه الخطى الى الشفاء. فاجتث جذور القلق من نفسك لتجتث المرض من جذوره.
نعم، ان القلق (او الوسوسة) يضاعف مرضك ويجعله مرضين. لان القلق يبث في القلب – تحت وطأة المرض المادي – مرضاً معنوياً، فيدوم المرض المادي مستنداً اليه، فاذا ما أذهبتَ عنك القلق والهواجس بتسليم الامر لله والرضا بقضائه، وباستحضار حكمة المرض، فان مرشك المادي سيفقد فرعاً مهماً من جذوره فيُخفف، وقسمٌ منه يزول، واذا ما رافقت المرض المادي اوهام وهواجس فقد يكبر عشر معشار تلك الاوهام بوساطة القلق الى معشار، ولكن بانقطاع القلق يزول تسعٌ من عشرة من مفعول ذلك المرض، وكما ان القلق يزيد المرض، كذلك يجعل المريض كأنه يتهم الحكمة الإلهية وينتقد الرحمة الإلهية ويشكو من خالقه الرحيم، لذا يؤدَّب المريض بلطمات التأديب – بخلاف ما يقصده هو – مما يزيد مرضه. اذ كما ان الشكر يزيد النعم فالشكوى كذلك تزيد المرض والمصيبة. هذا وان القلق في حد ذاته مرض، وعلاجه انما هو في معرفة حكمة المرض.