اللمعات | اللمعة الخامسة والعشرون | 368
(355-383)

الاخروية الابدية. فالمرض يبدد تلك الغفلة ويشتتها، وبالتالي يذكر بالآخرة ويستحضر الموت في الذهن فيتأهب له. بل يحدث ان يربحه ربحاً عظيماً، فيفوز خلال عشرين يوماً ما قد يستعصي استحصاله خلال عشرين سنة كاملة. فعلى سبيل المثال:
كان هناك فَتَيان – يرحمهما الله – احدهما يدعى (صبري) من قرية (إيلاما) والآخر (مصطفى وزير زادة) من (اسلام كوي) ورغم كونهما اُميين من بين طلابي، فقد كنتُ الحظُ باعجاب موقعَهما في الصف الاول في الوفاء والصدق وفي خدمة الإيمان، فلم ادرك حكمة ذلك في حينها، ولكن بعد وفاتهما علمت انهما كانا يعانيان من داءين عضالين، وبارشاد من ذلك المرض اصبحا على تقوى عظيمة يسعيان في خدمة راقية، وفي وضع نافع لآخرتهما، على خلاف سائر الشباب الغافلين الساهين حتى عن فرائضهم. فنسأل الله أن تكون سنتا المرض والمعاناة اللتان قضياهما في الحياة الدنيا قد تحولتا الى ملايين السنين من سعادة الحياة الابدية.
والآن فقط أفهم أنّ دعائي لهما بالشفاء قد اصبح دعاء عليهما من زاوية الدنيا، ولكن ارجو الله ان يكون دعائي مستجاباً لصحتهما الاخروية.
وهكذا استطاع هذان الشخصان – حسب اعتقادي – الحصول على ربح يساوي الكسب الذي يحققه الانسان بالسعي والتقوى لعشر سنين في الاقل(1)، فلو كانا متباهيين بصحتهما كبعض الشباب وسائقين لنفسيهما الى شراك الغفلة والسفاهة حتى يأتيهما الموت المترصد، وهما يتخبطان في اوحال الخطايا وظلماتها، لكان قبراهما الان

-------------

(1) عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي y قال: (ان الرجل ليكون له عند الله المنزلةُ، فما يبلغها بعمل، فما يزالُ الله يبتليه بما يكره حتى يُبلغه إياها) حديث حسن: اخرجه ابو يعلى في مسنده 4/1447 وابن حبان في صحيحه 693 والحاكم 1/344 وانظر )الاحاديث الصحيحة 1599).

لايوجد صوت