ثم ان الإيمان قد حطم صورة التابوت والنعش للزمن الحاضر التي تبدو هكذا بنظر الغفلة، واشهدني ان اليوم الحاضر انما هو متجر اخروي، ودار ضيافة رائعة للرحمن.
ثم ان الإيمان قد بصرني بعلم اليقين ان ما يبدو بنظر الغفلة من الثمرة الوحيدة التي هي فوق شجرة العمر على شكل نعش وجنازة. انها ليست كذلك، وانما هي انطلاق لروحي – التي هي اهل للحياة الابدية ومرشحة للسعادة الابدية – من وكرها القديم الى حيث آفاق النجوم للسياحة والارتياد.
ثم ان الإيمان قد بين باسراره؛ ان عظامي ورميمها وتراب بداية خلقتي، ليسا عظاماً حقيرة فانية تداس تحت الاقدام، وانما ذلك التراب باب للرحمة، وستار لسرادق الجنة.
ثم ان الإيمان أراني بفضل اسرار القرآن الكريم ان احوال الدنيا واوضاعها المنهارة في ظلمات العدم بنظر الغفلة، لا تتدحرج هكذا في غياهب العدم – كما ظنّ في بادىء الامر – بل انها نوع من رسائل ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للاسماء السبحانية قد اتمت مهامها، وأفادت معانيها، واخلفت عنها نتائجها في الوجود، فأعلمني الإيمان بذلك ماهية الدنيا علم اليقين.
ثم ان الإيمان قد اوضح لي بنور القرآن ان ذلك القبر الذي احدق بي ناظراً ومنتظراً ليس هو بفوهة بئر، وانما هو باب لعالم النور. وان ذلك الطريق المؤدي الى الابد ليس طريقاً ممتداً ومنتهياً بالظلمات والعدم، بل انه سبيل سوي الى عالم النور، وعالم الوجود وعالم السعادة الخالدة.. وهكذا اصبحت هذه الاحوال دواء لدائي، ومرهماً له، حيث قد بدت واضحة جلية فأقنعتني قناعة تامة.
ثم، ان الإيمان يمنح ذلك الجزء الضئيل من – الجزء الاختياري – الذي يملك كسباً جزئياً للغاية، وثيقة يستند بها الى قدرة مطلقة، وينتسب بها الى رحمة واسعة، ضد تلك الكثرة الكاثرة من الاعداء والظلمات المحيطة، بل ان الإيمان نفسه يكون وثيقة بيد الجزء