الاختياري. ثم ان هذا الجزء الاختياري الذي هو السلاح الانساني، وان كان في حد ذاته ناقصاً عاجزاً قاصراً، الاّ أنه اذا استعمل باسم الحق سبحانه، وبذل في سبيله، ولاجله، يمكن ان ينال به – بمقتضى الإيمان – جنة ابدية بسعة خمسمائة سنة. مَثَلُ المؤمن في ذلك مثل الجندي اذا استعمل قوته الجزئية باسم الدولة فانه يسهل له ان يؤدي اعمالاً تفوق قوته الشخصية بألوف المرات.
وكما ان الإيمان يمنح الجزء الاختياري وثيقة، فانه يسلب زمامه من قبضة الجسم الذي لايستطيع النفوذ في الماضي ولا في المستقبل، ويسلمه الى القلب والروح، ولعدم انحصار دائرة حياة الروح والقلب في الزمن الحاضر كما هو في الجسد، ولدخول سنوات عدة من الماضي وسنوات مثلها من المستقبل في دائرة تلك الحياة، فان ذلك الجزء الاختياري ينطلق من الجزئية مكتسباً الكلية. فكما انه يدخل بقوة الإيمان في اعمق اودية الماضي مبدداً ظلمات الاحزان، كذلك يصعد محلقاً بنور الإيمان الى ابعد شواهق المستقبل مزيلاً اهواله ومخاوفه.
فيا ايها الاخوان الشيوخ، ويا ايتها الاخوات العجائز، ويا من تتألمون مثلي من تعب المشيب! ما دمنا والحمد لله من اهل الإيمان، والإيمان فيه خزائن حلوة نيرة لذيذة محبوبة الى هذا الحد، وان شيبنا يدفعنا الى هذه الخزائن دفعاً اكثر، فليس لنا التشكي من الشيخوخة اذاً، بل يجب علينا ان نقدم ألف شكر وشكر الى الله عزّ وجلّ، وان نحمده تعالى على شيبنا المنوّر بالإيمان.
الرجاء الثامن
حينما خالط بعض شعرات رأسي البياض الذي هو علامة الشيخوخة، وكانت اهوال الحرب العالمية الاولى وما خلفه الاسر لدى الروس من آثار عميقة في حياتي عمقت فيّ نوم غفلة الشباب. وتلا ذلك استقبال رائع عند عودتي من الاسر الى استانبول، سواء من قبل الخليفة او شيخ الإسلام، او القائد العام، او من قبل طلبة العلوم