اللمعات | اللمعة السادسة والعشرون | 402
(384-464)

﴿كُلُّ نَفس ذائِقةُ الموْت﴾(آل عمران:185) ومن شموليتها، ذلك المعنى الذي يتضمنها وهو:
ان البشرية قاطبة انما هي كالنفس الواحدة، فلابد انها ستموت كي تبعث من جديد، وان الكرة الارضية كذلك نفسٌ فلابد انها سوف تموت ويصيبها البوار كي تتخذ هيأة البقاء وصورة الخلود، وان الدنيا هي الاخرى نفسٌ وسوف تموت وتنقضي كي تتشكل بصورة (آخرة).
فكرت فيما أنا فيه؛ فرأيت:
أن الشباب الذي هو مدار الاذواق واللذائذ، ذاهب نحو الزوال، تارك مكانه للشيخوخة التي هي منشأ الاحزان. وان الحياة الساطعة الباهرة لفي ارتحال، ويتهيأ الموت المظلم المخيف – ظاهراً – ليحل محلها.
ورأيت الدنيا التي هي محبوبة وحلوة ومعشوقة الغفاة وتُظن انها دائمة، رأيتها تجري مسرعة الى الفناء. ولكي انغمس في الغفلة واخادع نفسي وليت نظري شطر اذواق المنزلة الاجتماعية ومقامها الرفي الذي حظيت به في استانبول والذي خُدعت به نفسي وهو فوق حدى وطوقي من حفاوة واكرام وسلوان واقبال واعجاب.. فرأيت أن جميعها لا تصاحبني الاّ الى حد باب القبر القريب مني، وعنده تنطفىء.
ورأيت أن رياءً ثقيلاً، وأثرة باردة وغفلة مؤقتة، تكمن تحت الستار المزركش للسمعة والصيت، التي هي المثل الاعلى لارباب الشهرة وعشاقها، ففهمت ان هذه الامور التي خدعتني حتى الآن لن تمنحني أي سلوان، ولا يمكن ان اتلمس فيها أي قبس من نور.
ولكي استيقظ من غفلتي مرة اخرى وانتبه منها نهائياً، بدأت بالاستماع كذلك لأولئك الحفاظ الكرام في (جامع بايزيد) لأتلقى

لايوجد صوت