وجلب العناية الربانية.. فانني شاهد على هذه الحقيقة في كثير من حوادث حياتي، وان تجلي الرحمة على سطح الارض يظهرها كذلك بشكل واضح ابلج؛ لان اعجز الحيوانات واضعفها هي صغارها، والحال ان ألطف حالات الرحمة وألذها واجملها تتجلى في تلك الصغار، فعجزُ الفرخ الساكن في عشه على شجرة باسقة، يستخدم والدته – بتجلي الرحمة – كأنها جندية تنتظر الاوامر. فتحوم حول الزروع الخضر لتجلب الرزق الوفير لفرخها الصغير، ولكن ما ان ينسى الفرخ الصغير عجزه – بنموّ جناحيه وتكامله – حتى تقول له والدته: عليك ان تبحث عن رزقك بنفسك. فلا تعود تستجيب لندائه بعد ذلك.
فكما يجري سرّ الرحمة هذا على هذه الصورة بحق الصغار، يجري كذلك من زاوية الضعف والعجز، بحق الشيوخ الذين اصبحوا في حكم الصغار.
ولقد اعطتني تجاربي الخاصة القناعة التامة ان رزق الصغار مثلما يأتي بناء على عجزهم، وترسله الرحمة الإلهية لهم بشكل خارق، فتفجر ينابيع الاثداء وتسيلها لهم سيلاً، فان رزق الشيوخ المؤمنين الذين اكتسبوا العصمة يُرسل اليهم من قبل الرحمة على صورة بركة، وأن عمود البركة لأي بيت وسندها انما هو اولئك الشيوخ الذين يأهلونه، وان الذي يحفظ ذلك البيت من البلايا والمصائب انما هم اولئك الشيوخ الركع الذين يعمرونه. يثبت هذه الحقيقة اثباتاً كاملاً جزء من حديث شريف: لولا الشيوخ الركع لصبّ عليكم البلاء صباً(1).
--------------
(1) (لولا عباد لله ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصبّ عليكم – وفي رواية العذاب – صباً) رواه الطيالسي والطبراني وابن منده وابن عدي وغيرهم عن ابي هريرة رفعه… ورواه السيوطي في الجامع الصغير – الحديث نفسه – ثم رصّ رصاً. قال المناوي نقلاً عن الهيثمي: وهو ضعيف (باختصار عن كشف الخفاء 2/163). – المترجم.